جماجم أعدائه الكثار ويسرح طرفه بالنظر إلى هذه الحديقة ويدمن الخمر ولكنه ينظم الغزل الرقيق ويمنح الأدباء وظل ابنه المعتمد المحبوب الذي هلك في غارة المرابطين أحد المشاهير بنظم الأغاني في الأدب الإسباني العربي وقد أعطى من أجل بيتين فذين لعبد الجلال ألف دينار. وكان ابن عمار رفيق صباه وحاجبه زمناً شاعراً أيضاً ويساوي مولاه برقة الشعر ورشاقته وكانت رومابيكا السلطانة المحبوبة التي استولت طول حياتها على عقل المعتمد وقلبه مشهورة ببديهتها وهكذا كانت غاية هؤلاء المفتونين الظرفاء من الحياة أن ينصموا ويترفهوا ولو لم يضيفوا إليه محبة الآداب والصنائع الفكرية لكانت حقيرة ومريرة.
ولقد نافست مملكة المرية على صغرها مملكة إشبيلية وكان ابن عباس الوزير الجبار لزهير (١٠٢٨ ـ ١٠٣٨) يفاخر ببيانه المبرأ من العيوب وما اقتناه في خزانة كتبه التي تبلغ أربعمائة ألف مجلد أكثر من مفاخرته بغناء العظيم بالنسبة لعصره. ذكر المعتصم الذي طرده المرابطون كما طردوا المعتمد بأنه أحسن الملوك العلماء وأعدلهم في بلاد الأندلس فكان سخاؤه على الشعراء متناهياً حتى وهب ابن شرف قرية برمتها لبيت من الشعر قاله. وكانت قطعة من الشعر أو قصيدة من المدح الرقيق تمطر على ناظمها العطايا. وهو يرغب في سماع الأهاجي ولاسيما إذا دلت على صناعة وخلت من رميه بالبخل ولذا كان الأدباء يهرعون إلى قصره ويخدعونه ويبرمونه بمطالبهم التي لا تطاق فخف إليه في المرية طائفة من الشعراء يتبعهم أناس هاجروا إليه من البلاد الأخرى ومن جملتهم أبو الوليد النحلي الذي أغدق عليه المعتصم عطاياه فضحك منه ولكن المعتصم عفا عنه لا بالحط من قدره بل أنه أتبع العفو بالإحسان والإنعام. ومثله ابن شرف وابن أخت غانم من مالقة وهو ابن أخت اللغوي المشهور وغانم غرناطة وابن الحداد من قادش الذي اشتهر بأنه أعظم شاعر أندلسي.
وكان في الأندلس مثل أبي عبيد البكري ابن أحد ملوك الطوائف وهو أعظم جغرافي عربي في إسبانيا وكان له أيضاً حظ وافر من الشعر وله صداقة أكيدة مع المعتصم وكان هذا أو جميع أسرته يتعاطون الشعر ولاسيما ما كان منه في الغزليات والخمريات ومازال غزل أبيه وابنته أم الكرام معروفاً إلى اليوم عند كل من اطلعوا على الآداب العربية.