إعمل على مهل فإنك ميتٌ ... واكدح لنفسك أيها الإنسان
فكان ما قد كان لم يك إذ مضى ... وكأن ما هو كائنٌ قد كان
ومن فوائده سأل المهدي يوماً كاتبه أبا عبيد الله بن زياد بن أبي ليلى عن أشعار العرب فصنفها له فقال أحكمها قول طرفة بن العبد:
أرى قبر نحام بخيل بماله ... كقبرٍ غوي في البطالة مفسدِ
ترى جثوتين من تراب عليهما ... صفائح صم من صفيح مصمد
أرى الموت بعنام الكرام ويصطفي ... عقيلة مآلِ الفاحش المتشدد
أرى العيش كنزاً ناقصاً كل ليلة ... وما تنقص الأيام والدهر ينفد
لعمرك أن الموت ما أخطأ الفتى ... لكالطول المرخى وثنياه باليد
وقوله:
وقد أرانا همَّ صاحبه ... لو أن شيئاً إذا ما فإما رجعا
وكان شيءٌ إلى شيءٍ نفرقه ... دهر يكر على تفريق ما جمعا
وقول لبيب:
ألا تسألان المرء ماذا يحاول ... إنحب فيقضي أم ضلال وباطل
ألا كل شيءٍ ما خلا الله باطل ... ومل نعيم لا محالة زائل
أرى الناس لا يدرون قدر أمرهم ... بل كلُّ ذي رأي إلى الله واصل
وكقول النابغة الجعدي:
وقد طال عهدي بالشباب وأهله ... ولاقيتُ رَوعاتٍ تشيب النواصيا
فلم أجد الإخوان إلا صحابة ... ولم أجدالأهلين إلا مثاويا
ألم تعلمي أن قدرُزِئت محارباً ... فما لكِ منه اليوم شيئاً ولا ليا
وكقول هدبة بن خشرم:
ولست بمفراح إذا الدهر سرَّني ... ولا جازع من صرفه المتقلب
ولا أبتغي الشر والشر تاركي ... ولكن متى أحمل على الشر أركب
وما يعرف الأقوام للدهر حقه ... وما الدهر مما يكرهرن بمعتب
وللدهر في أهل الفتى وتلاده ... نصيب كحز الجازر المتشعب