للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأهوية الفاسدة فإن بعض الحيوان قد يفعل شبيهاً بذلك مثل أجناس الطير القاطعة وأصناف السمك المثقلة والهواء كالمركب أبداً من طبيعة الماء والتراب اللذين يمر عليهما واختلاف أحوال سكان البلاد في صورهم وأخلاقهم يتولد عن اختلاف هذه الأصول التي هي التراب والمآء والهوآء، وعلى حسب ذلك يجب أن يرغب الحكيم في إصلاح ما يخصه منها. وأفضل المساكن ما كانت تربته عذبة طيبة غير مشوبة ولم تبعد الشمس عن سمت رؤوس أهلها وكان عالياً في إنجاد الأرض وذرى الجبال ليتموج هوآؤُه ولا تحتقن فيه بخارات المياه وأنفاس الحيوان. ويكون ماؤه سبحاً من مناقيع طيبة حرَّة التراب، وتكون مجاريه بارزةً للشمس وحركته شديدة ومسافته من مبدإِه إلى منتهاه بعيدة ولا يكون بقرب المنزل تربة فاسدة أو مياه أَجنة من بطائح ونقائع، وقد يوجد في المواضع الخربة من الأرض تفاوت شديد يجب معه الحرص على طلب الأصلح وإذا دفعت الضرورة إلى نزول بلد هواؤُه فاسد أصلح بالبخورات الموصوفة. وجلب الماء للشرب من المواضع السليمة والانتقال عنه أصلح، فأما السلطان فتنقله في بلاد ملكه يجمع فنوناً من المصلحة منها سرور التنزه، ومنها تخير الأصوب في تدبير الأجسام ومنها توزيع مراعاته على كل حد من حدود ملكه، والهوآء أقوى أجسام هذا العالم تصرفاً وتصريفاً لما لاقيه وهو الذي يؤدي السري من الأجسام السمارية إلى الأرضية ويوصل قوى ما يمر عليه إلى ما يصل إليه كإيصاله الأصوات والروائح التي لو سكن لعدمت، ويجب أن يكون المبيت في الصيف بإزاءِ مهب الشمال، والجلوس فيالشتاء بإزاء مهب الجنوب، وفي الفصلين بإزاء مهب الصبا فهي موصوفة بطيب النسيم ولاسيما في السحر ويجتنب مع ذلك ملاقاة كل ريح عاصفة، وإنما خصت الصبا بالحركة في السحر لإقبال الشمس من ناحيتها فترفق أجزاء الهواء بحرها فيتبدد ويطلب مكاناً أوسع فيحدث النسيم المستلذ، ولأن الشمس تعطي كل ما تلاقيه في أول النهار قوة عجيبة، وأما الدبور فيجب اجتنابها في جميع الأوقات والأحوال. ويجب أن يجعل الجلوس عالياً عن مهب الهواء الجاري على وجه الأرض المشوب بالأبخرة فإنها تكدر الهواء المتنسم فيختر البدن ويفتره ويضعف قوة الحفظ وينقصه، وتستوطن العلالي والمناظر إلا أن يمنعه منها صميم الحر والبرد فيتعوض عنها الأسرَّة والفرش المنضدة قياساً على ما قد تقرر من أن المواضع الجبلية أصح مزاجاً وأنقى هواءً