للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حتى بعد أن تحررت من قيودها. كان في سالامنكة التي استحقت أن تجعل في مصاف باريز وأكسفورد وبولونيا إحدى المراكز العلمية الأربعة في الغرب سبعون حلقة للتدريس وربما بلغ عدد طلبتها سبعة آلاف في القرن السادس عشر ولم تنل هذه الشهرة الطائرة أولاً إلا لكونها بتأثير العلم العربي أقامت على أساس معقول تعليم العلوم الطبيعية والطب التي كانت إلى ذاك العهد مغشاة بتجارب تافهة وعمليات مضحكة من نحو السحر والطلسمات. ولم يكن في سالامنكة في أواخر القرن الثالث عشر على عهد البابا بونيفاس الثامن غير خمسة وعشرين حلقة للتدريس منها حلقة لليونانية وأخرى للعبرانية وثالثة للعربية.

ولقد أصيبت هذه الحركة المثمرة المباركة بضربة شديدة عندما عاد ملوك الكاثوليك فاستولوا على غرناطة سنة ١٤٩٢ واستصفوا أرض إسبانيا وأبادوا آخر مملكة إسلامية من شبه جزيرة الأندلس. ومنذ ذاك العهد أعادت حرب لا على دين أصحاب تلك البلاد ونعني بهم المسلمين بل على جنسيتهم ومدنيتهم. وقد جرت العادة بأن تلقي تبعة هذا العمل على رجال الدين من الإسبانيين ممن كانوا في الحقيقة متفانين في تنفيذ هذا العمل وذاهبين بفضل الربح فيما قاموا به من الذرائع على أن هذا الحكم لا يخلو من غلو ووضع المسؤولية في غير موضعها وذلك لأن ملوك الكثلكة مثل شارلكان وفيليب الثاني وفيليب الثالث الذين نسب إليهم الفخار بهذه الأعمال هم اليوم يبوؤن بالقسم الأعظم من العار. فكانت الشدة فيهم منبعثة عن رأي سياسي كاذب أكثر مما هي عن تعصب ديني ويراد بها التوسع في الملك على وجه سخيف. فطمع الإسبانيون بعد الوحدة السياسية والملكية التي نالوها بالصبر عليها قروناً أن يضموا إليها الوحدة الأدبية المتناهية في الخيال وهي التي كان يتصورها لويس الرابع عشر بفكره القاصر وانتهت بفسخ الأمر الصادر في نانت. وكان الفكر السائد منذ عهد فرديناند الكاثوليكي إلى فيليب الخامس بين جميع حكومات إسبانيا أن يعملن كلهن على تطبيقه على ضعاف المغاربة بالشدة التي جرين عليها في الأزمان السالفة فكن يقاومن أمراء المسلمين في الأندلس مقاومة ليس بعدها مقاومة. ومثل ذلك كان يجري على الإسرائيليين بصورة أكثر شدة ولكن لا تكاد يشعر بها لأن اليهود كانوا عبارة عن طائفة أقل من المسلمين وكان الغضب والأحقاد الشخصية تصب عليهم في الفترات متقطعة ثم زاد التعصب الإسباني وعجل بالقضاء على كل مخالف. وأكد فرديناند