الفاتحين ومن تفرقوا من المجاهدين اتباع بكوات الروملي فانتشروا في تلك الديار أن تلك الرابطة قد دعت إلى أن يمتزج هؤلاء بأهالي البلاد الأصليين أي بالبلغاريين والصربيين والارناؤد والبوشناق فأخذ هؤلاء يدينون بالإسلام حتى أصبح نحو نصف سكان تلك الأقطار الواسعة من المسلمين، واضطر أولئك المسلمون إلى تعلم أمور دينهم وبهذه الواسطة انتشر اللسان العثماني وتغلب الفكر الديني على الجنسي وأنشأ أولئك الشعوب يعتقدون بأن السلطنة العثمانية حامية الدين وسلامتها سلامة لهم في الدارين وبفضل هذا الاعتقاد غدا أهالي البوسنة المسلمون خاضعين للحكومة النمساوية وهم لا يقلون عن ٥١٠٠٠٠ نسمة ينظرون إلى النمسويين نظر الأعداء مع أنهم من عرق واحد، ومثل ذلك قل في البوماقيين والجناقيين وغيرهم من سكان بلغاريا ممن يرون السلافيين أعداءهم على حين هم وإياهم من أصل واحد ولا يستثنى من ذلك إلا الأرناؤد فإنهم في بلادهم يفضلون الجامعة الجنسية على كل جامعة فيدين المرء فيها بما يريد ولا من يسأله عن معتقده دان بالإسلام أو بالنصرانية لأن مسائل الاعتقاد من الأمور الوجدانية النفسانية ولكن يبقى للجنسية القول الفصل بينهم فإذا استباح حماهم أجنبي يقوم المسيحيون والمسلمون يذودون عن حياض بلادهم قومة رجل واحد بمعنى أنه لم تنشب قط ولا تنشب فتنة باسم الدين في بلاد الارناؤد فاللسان التركي الذي نستعمله منذ ستمائة سنة مؤلف من ثلاث لغات وقواعد صرفه ونحوه هي من الأصول المتحصلة من القواعد التي اقتبسها العجم عن العرب ولذلك أصبح لغة قائمة برأسها ولهجة خاصة بالعثمانيين فقط، وبقدر ما بين التركية الشائعة فيما وراء النهر والتركية المستعملة في آذربيجان والتركية التي يتكلم بها بعض الشعوب الأتراك في قافقاسيا والتركية المستعملة بين التاتاريين في القديم من الفروق فالفرق كذلك بين لغتنا ولغتهم.
وبالجملة فإن ما فقدته الدولة العثمانية من أملاكها بعد دور الفتح من البلاد وما خسرته بعد عهد السلطان سليمان من النفوس مما لا يقل عن ثلاثة أرباع السكان وما نحن مضطرون ومفتقرون إليه من تعلم اللغة العربية التي هي لسان شريعتنا وعقيدتنا مع كل هذا هل جذب العربي التابع لنا التركي إليه وصبغه بصبغته أم نحن صبغنا العربي بصبغتنا، وما أدري كيف نشأ خيال الخوف من فقدنا وطنيتنا إذا لم تداركه بتصفية لساننا فقد رأينا جميع أبناء