كانت سويسرا من أول الأمم التي قاومت انتشار الابسنت منذ ثلاثين سنة فصدعت الحكومة هناك بأمر الشعب وإرادة الشعب حكم وعملت على ما اقتضاه منه المقاومون للمسكرات على كثرة خصومهم بادئ ذي بدء والموافقون على المنع رجال الصحة والأدب والجمعيات الطبية والسياسية والكنائس والأحزاب السياسية المتطرفة من كاثوليك وبرتستانت ولم يقف على الحياد في هذا الباب سوى الحزب الراديكالي.
وقد سبقت فنلندا سويسرا في مقاومة المسكرات فأصدرت حكومتها أمراً منذ سنة ١٨٨٢ بمنع بيع المسكرات بالمفرق للناس والاتجار بها وجعلت بيعها بيد جمعيات تنفق ريعها على ما من ورائه فائدة عامة، وهذه الجمعيات تقاوم السكر بكل ما فيها من طاقة وتصد العامة من غشيان الفنادق وتدفعهم إلى الاختلاف إلى المطاعم الصحية التي لا تبيع المسكرات وأخذت تلك الجمعيات تدخل في دروس المدارس مضار المسكرات وتنفر الدارسين من تعاطيها، وحذت النمسا حذو الأمم العاملة على تقليل المشروبات فأنشأت جمعيات تصد العملة عن الشرب وأفلحت في تكثير سواد أفرادها وأنصارها وقد جعلت جمعية نقابات العملة شعارها: إن المشروبات الروحية منبع الأضرار العظيمة على طبقة العملة تسلبهم قواهم الطبيعية والعقلية اللازمة لهم في جهاد الحياة.
وهكذا ترى الحال في معظم الأمم الأوروبية ولاسيما في الممالك الصغرى مثل السويد والنرويج والدانيمارك وهولانده والبلجيك وبلغاريا، وهذه الإمارة الأخيرة أخذت منذ أسست سنة ١٨٧٨ تقلد الأوروبيين في مناحيهم وأحبت مخالفة القواعد التي كانت مرعية فيها على عهد حكم العثمانيين عليها من وضع العقبات في سبيل المسكرات ولكنها عادت ففكرت في العاقبة حتى قل فيها تعاطي المشروبات كثيراً في البلاد التي تكثر فيها الكروم وأخذ البلغاريون يرددون المثل البلغاري السائر بينهم وهو أن الماء لا يقلق الرأس ولذلك جعلوا شربهم الماء الصرف وقد لا يتناولون المسكرات في بعض أعيادهم وهي لا تتجاوز الخمسة أو الستة أيام في السنة كلها.
وانتبهت بعض ولايات أميركا الشمالية إلى مضار المسكرات فسنت منذ سنة ١٨٤٦ قانوناً لحظر بيعها بالمفرق ومن هذه الولايات كنساس وميسيسيبي وألاسكا وغيرها وقد عادت بعض الولايات أيضاً بعد أن رأت فائدة المنع مثل ولايتي الأباماوجيورجيا فسنت قانون