أرقى مما هي اليوم. ومن حاز الثروة وقانون الحكمة يدبرها والحنكة قائدها ورائدها وانتظر الفرص التي لا يزال الدهر يخبأوها للأفراد كما يبخل بها على الأمم لا بد أن يتمتع يوماً بالسعادة السياسية والاجتماعية التي هي منتهى آمال كل أمة حية في هذا الوجود.
٧
مرسيليا
في الساعة الرابعة بعد الظهر أقلعت بنا من الإسكندرية الباخرة ايكواتور (خط الاستواء) إحدى بواخر شركة الميساجري مارتيم الفرنسوية فبلغنا ثغر مرسيليا أكبر مواني فرنسا على البحر المتوسط والمحيط والمانش في اليوم السادس الساعة الخامسة بعد الظهر ولم نر في طريقنا شيئاً يستحق الذكر سوى بعض سواحل إيطاليا وفرنسا وقد تجلت عن بعد وكان نظرنا يختلف إليها بقدر بعدنا أو قربنا منها ودام البحر رهواً حتى إذا خرجنا من مضيق مسينا أصبحنا وأصبحت سفينتنا على كبرها وطولها وعرضها ألعوبة العواصف والتيار يتقاذفنا من كل مكان حتى لم يبق راكب في درجات السفينة الأربع إلا وقد أخذه الدوار أو كاد ولم نملك حواسنا إلا عند بلوغنا ساحل السلامة.
وقوة هذه الباخرة ٢٩٨٧ حصاناً ومحمولها ٣٨٤٨ طناً وتقطع في الساعة أثني عشر ميلاً وهي إحدى بواخر الشركة التي تغدو وتروح بين مواني البحر الأبيض والبحر الأسود والبحر الأحمر وبحر الأدرياتيك ولهذه الشركة التي جعلت رأس مالها خمسة وأربعين مليون فرنك تسع عشرة باخرة من مثل هذه خصت سيرها بالبحرين الأولين في لأغلب. ومن موانينا التي تقف عليها بواخر الميساجري ماريتم خانيا وسلانيك والأستانة وجناق قلعة وأزمير ومدانيا وفاتي ولارنكا ومرسين والإسكندرونة واللاذقية وطرابلس الشام وبيروت ويافا وحيفا ورودس والإسكندرية وطرابلس الغرب وصمصون وطربزون وبور سعيد والسويس ولولا أمثال هذه البواخر الفرنسوية والنمسوية والروسية والإيطالية والانكليزية والألمانية والرومانية لما بقيت لنا تجارة تصدر من بلادنا وترد إليها ولتعذر التنقل إلا في السواحل على ظهور الجمال والبغال والحمير أو في المركبات وبعض القطارات القليلة التي تربط أجزاء مملكتنا بعضها ببعض.