للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يطلب من الصحافي ووجه الشبه بينهما لا يخلو من فروق فإن الأول يغذي الأجسام والثاني يغذي العقول والفرق بينهما أن عدد من يقضى عَلَى الطاهي إطعامهم محدود أما عدد من يغذيهم الصحافي فكثير جداً قد يبلغ مئات الألوف.

ثم إن للصحافي جمهوراً كبيراً من الحانقين ممن لا يعرفون للشفقة معنى ولا يقيمون للرأفة وزناً وأعني بهم من يعتقدون أنهم يحسنون معرفة كل شيء أكثر من غيرهم فالصحافي يقاسي الأمرَّين من أهل هذه الفئة.

يأتي الصحافي في الصباح إلى مكتبه فيجد أمامه بريده يغطي منضدة التحرير وفيها أدلة عَلَى قلة حظوته من الناس فمنهم من يكتب إليه ليتك تعنى عناية كبرى بأحوال المجلس البلدي وآخر يقول له: كفَّ عن مراقبة كل ما يحدث في البلدية وثالث يقول له إن السياسة لا تهمني فإذا أنت لم تعن كثيراً بالحوادث المحلية اضطر إلى الاشتراك بجريدة غير جريدتك ورابع يقول له العكس ويريده على أن يكثر من مؤازريه في المسائل السياسية والابتعاد عن سفاف أخبار المدينة. ومنهم من يقول لماذا لا تكثر من نشر الشعر فمتى عزمت عَلَى النشر فأنا أقدم لك قطعاً من شعري ومنهم من ينتقد نشر الجريدة للنمر الرابحة في اليانصيب ويوعز إلى صاحبها أن يستعيض عنها يوم لا شيء له يملأ به فراغه بقطعة من رواية يجعلها رفرفاً للجريدة ومنهم من يأمر محرر الجريدة أن يحذف بالمرة صفحة من تلك القصص الغرامية التي لا فائدة منها.

وهكذا يدرس الصحافي رأي قرائه من أحكامهم عَلَى مقالاته وأخباره والأنكى من ذلك أن بعضهم يوجهون هذا النقد إلى مديري الجرائد وأصحابها وهؤلاء يعتقدون أن أقل نقد يوجه إلى جريدتهم يوقف رواجها وربما يقصر حبل أجلها ويقضي عَلَى الصحافي إذ ذاك أن يفهم صاحب الجريدة وهناك المصيبة لأنه يكون في الأكثر من رجال المال فقط ولا يهمه سواه.

ولا تنتهي آلام الصحافي بخروجه من غرفة التحرير بل أنه إذا دخل محل قهوة ليستريح لا يلبث أن يراه بعض من يعرفونه فيحومون حوله معتقدين أن الفرصة قد حانت لنصحه ويأخذون في نقد العدد الصادر ذاك النهار فإذا لم يسلم لهم بانتقادهم يزيد إلى أعدائه أعداءً.

وبعد فإن الأرض لا يحرثها إلا الفلاح والجنود لا يقودها إلا ضابط والشعور لا يقصها ويزينها إلا الحلاق ولكن الجريدة يعرف كل الناس أن تكتبها وتنتقدها. نعم الجريدة يحسن