سيما وأكثر هذه الأخبار لا طريق لها ولا نقلت من الثقات والمعروفين أيضاً تخبر عن التكلف وتدل عَلَى الصنعة وأرجو أن لا يطلع ذوو العقول وأهل النظر مني عَلَى إيثار هوى ولا تعمدٍ لتمويه وما أتبرأ بعده من العترة والزلة إلا أن يوفقني الله وما التوفيق إلا به.
وعدل القول في الشرف أن الناس لأب وأم خلقوا من تراب وأعيدوا إلى التراب وجروا في مجرى البول وطووا على الأقذار فهذا نسبهم الأعلى الذي يردع أهل العقول عن التعظم والكبرياء ثم إلى الله مرجهم فتنقطع الأنساب وتبطل الأحساب إلا من كان حسبه تقوى الله وكانت ماتته طاعة الله.
وأما النسب الأدنى الذي يقع فيه التفاضل بين الناس في حكم الدنيا فإن الله خلق آدم من قبضة جميع الأرض وفي الأرض السهل والحزن والأحمر والأسود والخبيث والطيب يقول الله عز وجل (والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكدا) فجرت طبائع الأرض في ولده فكان ذلك لاختلاف غرائزهم فمنهم الشجاع والجبان والبخيل والجواد والحي والوقاح والحليم والعجول والدمث والعبوس والشكور والكفور وسبباً لاختلاف ألوانهم وهيآتهم فمنهم الأبيض والأسود والأسمر والأحمر والأقشر والوسيم والخفيف على القلوب والثقيل والمحبب إلى الناس من غير إحسان والمبغض إليهم من غير ذنوب وسبباً لاختلاف الشهوات والإيرادات فمنهم من يميل به الطبع إلى العلم ومن يميل به إلى المال ومن يميل به إلى اللهو ومن يميل به إلى النساء ومن يميل به إلى الفروسية. ثم يختلفون أيضاً في ذلك فمنهم من يسرع إلى فهمه الفقه ويبطئ عنه الحساب ومنهم من يعلق بفهمه الطب وينبو عنه النجوم ومنهم من يتيسر له الدقيق الخفي ويعتاص عليه الواضح الجلي ومنهم من يتعلم فناً من العلم فيرسخ في قلبه رسوخ النقر في الحجر ويتعلم ما هو أخف منه فيدرس دروس الرقم عَلَى الماء ومن طلبة المال من يطلبه بالتجارة ومن يطلبه بالجراية ومن يطلبه بالسلطان ومن يطلبه بالكيمياء فيتلف بالطمع الكاذب والتماس المحال اثلة المال ومن طلبة النساء من يريد المهفهفة ومن يريد الضناك ومن يريد الغرة الصغيرة ومن يريد النصف الوثيرة وأعجب من هذا من ربما حبب إليه العجوز قال الشاعر: