وتقول أن صاحبي فلان لبد لا يبرح منزله ولا يطلب معاشاً لنفسه وقريب من كلمة (تنفخ) التي معناها افتخر بما ليس فيه كلمة (ابتهر) هو أن يقول المرء فعلت كذا وأفعل كذا وهو لم يفعل شيئاً مما ادعى. وكثيرون يدعون فعل مالم يفعلوا فيضيق المرءُ ذرعاً بالواحد من هؤلاء ويريد أن يوجز في وصفه وفي الأخبار عنه بكلمة واحدة فأرى له أن يقول: دعونا من فلان فإنه يبتهر في كل ما يقول.
أما إذا كان المرءُ يقول فعلت الشيءَ ويكون قد فعله صدقاً. فهل من كلمة تدل عَلَى هذا المعنى؟
تدل عليه كلمة (الابتيار): فإذا قلنا فلان يبتار كان معناه يقول ويفعل لا كصاحبنا الأول الذي يبتهر ابتهاراً. وقد جمع الأعشى الشاعر الكلمتين في قوله:
يقول أنه لا يليق بأدبه أن يعرض بالفتيات ويأخذ في سرد حوادثه مع أوانس الحي: فيقول كان من أمري مع فلانة كذا وخبري مع فلانة كذا: فهو لا يبتهر ولا يبتار ولا يقول عن الفيثات شيئاً صادقاً أو كاذباً.
فليتق الله ازيار النساء وليأنسوا بالأعشى فإنه موضوع للأسى.
ويعرض لك أحياناً أن تقول: إن القاضي كان يكلم المدعى عليه أثناء المحاكمة بغيظ وغضب. فبدل أن تأتي بكلمتين تقول كان (يدمدم عليه) أي يكلمه بغضب واراك تتهيب استعمالها لأول الأمر ثم لا تلبث أن تأنس بها ويألفها سمعك فتشيع وتروج بين الكتاب.
وإذا مات امرؤ في ميعة الشباب وصحة الجسم وأردت أن تخبر بذلك فقل مات فلان عبطة. أي شاباً صحيحاً. واعتبطه الموت. وقد تعيب آخر بكونه يشبه النساء في شدة تزينه وتنعمه فتأتي في وصفه بكلام كثير. والأجدى لك أن تقول لا يعجبني فلان فإنه يتزلق. قالوا ومعناه أن يتزين وينعم حتى يكون الونه وبيض أي لمعان ولبشرته بريق.
وإذا أردت أن تثني على صديقك بأنه ينفق عَلَى ذوي رحمه الفقراء ويكفيهم ذل السؤال تقول أنه (يعوله) ولكن هناك كلمة أخرى لا أرى بأساً في استعمالها وهي ن تقول أنه (يقعدهم) ـ بتشديد العين ـ أي يقوم بأمرهم ويكفيهم مؤونة الكسب وأحسبك تفضل (يعول) عَلَى (يقعد) وتقول أنها أخف منها على السمع. نعم ولكن الاستعمال كفيل بصقلها