وذلك أن المصريين لما بدأُوا عَلَى عهد توتيمس الأول أي نحو سنة ١٥٥٠ قبل المسيح بغزواتهم التي أدت بهم من سواحل سورية إلى وادي الأُردن فشواطيءِ الفرات قد استولوا قروناً عَلَى إقليمي لوتانو وخارو ولما توطدت أقدامهم فيهما حملهم حب الاكتشاف إلى التقدم إلى الأمام فقصدوا نهر الفرات الذي وصفه توتميس الأول في مسلة تومبوس بأن الماء يتراجع فيه ثم ينزل وهو صاعد ثم قصدوا غابات لبنان حيث وضع الشريف سنوفري أحد جلساء توتميس الثالث خيمته في علو شاهق فوق السحاب ثم تقدموا إلى الغابات وكانوا يأتون إلى بيبلوس بأحسن الأخشاب التي بلغ طولها ٦٠ باعاً مصرياً (نحو ٣١ متراً) وكان ساقها غليظاً حتى نهايته وكانوا يحملون خشب الأرز من جبيل إلى مصر. فكانت هذه البلاد مسرحاً للصيد والغزو وقد كتب قدماءُ المصريين وقائعهم وأساطيرهم في هذا الشأْن ولم ينته إلينا إلا القليل منها ويقل فيها وصف البلاد التي كانت تجري الغزوات فيها ومما وصلنا قصة قائد المشاة على عهد توتميس الثالث وكيف استولى بأعمال الحيلة عَلَى الزعيم الثائر في ثغر يافا وكيف ضربه بعصا فرعون الأكبر ولكنه لم يرد في هذه القصة وصف يافا وإقليمها.
ويفهم من مجموع الأساطير والرحلات الباقية أن فرعون مصر كان يبعث بأعوانه يطوفون البلاد بلداً بلداً في آسيا ليطبعوا النفوس عَلَى احترامه وذكروا فيها ما لقوه من النصب في أسفارهم ولا سيما في اجتياز الغابات والشواطيء الجبلية أو القفار التي تفصل بين المدن المذكورة وبينهم مثل جبيل مدينة الآلهة ومدينة صور حيث كان السمك أكثر عدداً من الرمل والماء يحمل إليها في قوارب من اليابسة.
وقصارى القول أن أبناء الرحلات التي رحلها المصريون عَلَى عهد الرعامسة أخلاف رعمسيس قد وصفوا آسيا وصفاً خيالياً تكاد لا تكون له صبغة خاصة ليس فيها إلا حروب ورحلات وحب وعشق. وفي أوراق البردي التي قرئت من مجموعة كولانيشف وصف رحلة مصري إلى آسيا في القرن الحادي عشر قبل الميلاد وهي عبارة عن رحلة تاجر. وذلك أن رجلاً اسمه أونامونو عميد قاعة الكرنك في السنة الخامسة من حكم رعمسيس الثاني عشر وفي الزمن الذي كان فيه الكاهن الأعظم للرب عمون واسمه هريهور يحكم في طيبة وكان سمندس أول ملوك التانيتيين يحكم الدلتا وعاصمة مدينة تنيس ركب أونامونو