رجعت الأم بعد هذه الوصاية المتكررة إلى غرفتها. أرادت الإدلال عَلَى زوجها والتباهي عَلَى جارتها فرفعت صوتها بتلاوة القرآن تارة ودلائل الخيرات تارة أخرى أواني المطبخ لم تزل من دون تنظيف. أرض الدواليب لم تزل من دون مسح. طعام الغداء لم يزل الزوج يجهل أمره. ويتساءل ماذا عساه يكون؟ وضيوفه كرام يجب أن يتجمل أمامهم ويكافئهم عَلَى أياد لهم عليه. الطفل الصغير غلبه النوم في إحدى زوايا تلك الدار والذباب يتطاير من فوقه. والروائح الخبيثة تنبعث من تحته.
رأى الرجل الحالة عَلَى ما وصفنا فنادى امرأَته ورغب إليها أن تنهض لمراقبة أمور البيت وتهيئة الطعام.
تغافلت المرأَة عن زوجها. أو أن دوي صوتها بقراءة دلائل الخيرات حال بينهما وبين سماع النداءِ!
هتف بها ثانية فردت عليه بخشونة. وجعلت تؤنبه عَلَى اساءته الأدب مع مؤلف دلائل الخيرات وأنها تخشى عليه أن يبطش به!!
ضاق صدر الرجل فكاد يتفوه بما لا يليق في حق أهل الله ثم سكت عَلَى مضض ولا نعلم ماذا جرى بين الرجل وامرأَته. ولا كيف كان أمر الغداء. ولكن نذهَب مع القاريء إلى تلك المرأَة التي عرف أولياؤُها كيف يعلمونها وكيف يجعلونها تستفيد من الذي تلتقه.
تزوجت فيا سعد زوجها بها. رزقت أولاداً فيا لسعادة أولادها من أجلها.
تعلمت القراءة والكتابة ولكن لم تتعلمهما لذاتهما وإنما تتعلمهما لكي تتوصل بهما إلى درس حقائق أعلى وتحصيل فوائد أغلى.
قرأت القرآن بإمعان وتفهم: فكانت تتناول بعض الآيات وتشرح معناها لأولادها شرحاً مفيداً غاية في السهولة والتقريب، غرست في نفوس أولادها عظمة الله تعالى ووجوب خشيته واستمداد المعونة والتوفيق منه.
وكثيراً ما أَسمعتهم الآيات التي تحض عَلَى ممارسة الخير والفضيلة. وتطلب منهم أَن يستظهروا أَلفاظها ويتفطنوا لمعانيها.
ولم نكتف من العلم بهذا القدر فقط بل رأت (من الواجبات) عليها باعتبارها ربة منزل أَن يكون لها إِلمام ومشاركة بفن الهيجين (حفظ الصحة) ثم لاحظت أَنها لا تقدر عَلَى تربية