هذا أبو محمد حزم الظاهري وأهل الظاهر نفاة القياس والتعليل وهو معدود في الطبقة الأولى بين علماء الدين ومع هذا تجد له تآليف ممتعة فيما نعتبره من علوم الدنيا فقد ذكر غير واحد من علماء الأندلس أن تصانيفه في الفقه والحديث والأصول والنحل والملل وغير ذلك من التاريخ والنسب وكتب الأدب والرد على المخالفين نحو من أربعمائة مجلد تشتمل على قريب من ثمانين ألف ورقة. وهذا شيءٌ ما علمناه لأحد ممن كان في مدة الإسلام قبله إلا لأبي جعفر الطبري فإنه أكثر أهل الإسلام تصنيفاً فقد ذكر أبو محمد عبد الله بن محمد الفرغاني في كتابه المعروف بالصلة وهو الذي وصل به تاريخ أبي جعفر الطبري الكبير أن قوماً من تلاميذ أبي جعفر لخصوا أيام حياته منذ بلغ الحلم إلى أن توفي في سنة ٣١٠ وهو ابن ست وثمانين سنة ثم قسموا عليها أوراق مصنفاته فصار لكل يوم أربع عشرة ورقة ومن جملة تآليفه التفسير الكبير والتاريخ الذي هو أصح التواريخ وأثبتها وكلاهما مطبوع متداول وهو الذي قال لتلاميذه: هل لكم إن أملي عليكم كتاباً في التاريخ قالوا وكم يكون حجمه فقال ثلاثون ألف ورقة فاستعظموا ذلك وأرادوه على الاختصار حتى أملاه عليهم في ثلاثة آلاف ورقة فجاء كما رأيناه اليوم أحد عشر مجلداً ضخماً أعلاه بهذا القدر وهو يحوقل ويقول ماتت الهمم لأن تلاميذه لم يوافقوه على جعل تاريخه في ثلاثين ألف ورقة فماذا كان يقول لو جاء في هذا العصر ورأى انحطاط علوم الدين وعلوم الدنيا بين قومه.
وابن جرير في إجادته في التأليف وإكثاره منه مشهور كسائر من تقدمه ومن تأخر عليه من المصنفين مثل ابن تيمية من أهل القرن الثامن فقد قال فيه أحد واصفيه أن له من المؤلفات والقواعد والفتاوى والأجوبة والرسائل والتعاليق مالا ينحصر ولا ينضبط ولا أعلم أحداً من المتقدمين ولا من المتأخرين جمع مثل ما جمع ولا صنف نحو ما صنف ولا قريباً من ذلك مع أن تصانيف كان يكتبها من حفظه وكتب كثيراً منها في الحبس وليس عنده ما يحتاج إليه ويراجعه من الكتب. وقال غيره كان الإمام يكتب في اليوم والليلة من التفسير أو من الفقه أو من الأصلين أو من الرد على الفلاسفة الأوائل نحواً من أربعة كراريس أو أزيد وما يبعد أن تصانيفه إلى الآن تبلغ خمسمائة مجلد وله في غير مسألة مصنف مفرد في