تطلب الحكومة طبعه وليس في وقتها متسع لطبع مطبوعات الأفراد وناهيك بمطبعة حوت من الأدوات ما يلزمها من سبك الحروف حتى التجليد وناهيك بكثرة أشغال حكومة الجمهورية التي تقع ميزانيتها وحدها في ثلاثة آلاف صفحة كبيرة يطلب طبعها في وقت قصير وهذا لا يتيسر إلا بمطبعة متقنة جداً.
ولهذه المطبعة معامل للتصوير الشمسي وطبع الصور والطبع المحفور المجوف والحفر على الخشب والحفر على النقش والحفر الناتئ على النحاس والزنك والطبع الملوّن وطبع الحجر والتصفيح والطبع المنحس وغير ذلك من التفنن في الطباعة. وتسمح المطبعة بإعارة الطابعين بعض الحروف الغريبة من اللغات الأجنبية ولا تطبع من الكتب إلا ما كان بلغة غريبة لا يوجد من حروفها في كل مطبعة وذلك لمحض خدمة المعارف والفنون.
هذه جملة ما يقال في مطبعة الأمة ولو جمعت مطابع مصر كلها ما دانتها بالمكانة وكذلك لو جمعت مطابع الأستانة وأضفت إليها مطابع الولايات العثمانية برمتها والمطبعة التي تنفق عليها الحكومة نحو أربعمائة وخمسين ألف ليرة في السنة يستحيل على حكومة كالحكومة العثمانية والمصرية أن تقوم بمثلها وهي لا تنفق على المعارف كلها نحو هذا القدر من المال أو أكثر منه بقليل فتأمل.
مدرسة فرنسا
من المعاهد التي استغرقت شطراً كبيراً من وقتي في باريز دروس مدرسة فرنسا (كوليج دي فرانس) لسهولة التلقي فيها في كل علم يخطر في البال ولأن هذه المدرسة ذكرتني بمدارس الإسلام أيام حضارتنا وقد جعلوا العلم مباحاً لكل طالب يلقنونه إياه بلا عوض.
في شارع المدارس بالقرب من كلية السوربون قام بناءٌ عظيم أسسه فرنسيس الأول ملك فرنسا حوالي سنة ١٥٣٠ وجعل فيه درسين الأول لتعلم اللغة الرومية والثاني للعبرانية وسمى المدرسة مدرسة الملك فرأت الكلية إذ ذاك أن قد استهين بها فأوعزت إلى مدرسة اللاهوت أن تتهم مدرسي مدرسة الملك بأنهما يدعوان إلى الزندقة فحال الملك دون صدور الحكم عليهما وأضاف إلى المدرسة درساً في الفصاحة اللاتينية ليخلص وجماعته من تهمة الإلحاد وما زال عدد الدروس يزيد على عهد الملوك حتى أضاف إليها هنري الثالث درس العربية ونابليون الأول درس التركية ولم يبرح بناؤها ودروسها عرضة للقلب والإبدال