للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تسمع أذني بشيء ولا يتصور ذهني أقل شيء إلا وأخذ به جملة وتغرق النفس في استحسانه وتحار في وصفه.

ولقد عزمت أن أدون في مفكرتي ما يعرض لي من المناظر والمظاهر ويتردد في صدري من الأفكار والخواطر وأحضره من المحاضرات والخطب والدروس النوادر ولما كثرت عليّ الموضوعات كلّ القلم من التقييد وقلت إنك يا هذا تكتفي متى عدت لتحدث قومك بما رأيت من تسجيل ما يعلق في ذهنك وبعض مما فيه الغناء والكفاية.

نعم تركت التقييد عَلَى خلاف عادتي فصدق فيَّ قول الشاعر:

تكاثرت الظباءُ عَلَى خراشٍ ... فما يدري خراشُ ما يصيد

لولا أن اليأس من أعظم الأمراض في الأفراد والجامعات لطاوعت النفس وفطنت من نهضة هذا الشرق لمجارات الغرب ولولا أنني أعتقد بأن النجاح مقدور لكل مخلوق يعمل وأن الأجسام تتكون من الذرات وأن من الجزئيات تنشأ الكليات لسجلت بأن قيام الشرق العثماني وهو عَلَى نهضته المتثاقلة البطيئة التي نشهدها أمر متعذر إلا بعد قرون أن كتبت له الحياة. ولكن أمامي مثال الدولة اليابانية مملكة الشمس المشرقة رأيتها جارت أكبر الدول الأوربية في ثلاثين سنة وفاقت من كانت تعمل منذ ثلثمائة سنة من الدول الغربية فبلغت درجة عالية من الحضارة.

نعم إن اليأس يجب أن لا يتطرق إلينا وإن كنا ويا للأسف تحت وصاية الغرب اليوم في كل شأن من شؤون حياتنا السياسية والاجتماعية والعلمية والتجارية يصرفون علينا ما يريدون من ضروب المعارف ويربحون بعقولهم منا أنواع الأرباح والمكاسب ويستثمرون شرقنا بكل ما لديهم من ذرائع العلوم والفنون ونحن معهم باهتون شاخصون شأن عبد مع سيده أو جاهل مع عالم.

حضرت دروساً كثيرة في الكوليج دي فرانس وهي المدرسة العظمى التي تضم في صدرها زهاء أربعين عالماً من كبار علماء فرنسا يقرأ كل واحد منهم درسين اثنين في كل أسبوع في العلم الذي أخصى فيه وتفرد به طوال عمره وتكون دروسهم عامة يحضرها كل من أراد فتدل عَلَى كرم الفرنسويين في العلم.

وحضرت دروساً في مدارس أخرى ووقفت إلى سماع خطب ومحاضرات كثيرة فلم أر في