أسباب النظافة والاعتدال أن يعنوا بتطهير الأخلاق العامة والخاصة من الشوائب وترقية الشعور الأدبي في الأفراد ومن مجموع هذه الصفات تتحقق نيات زعماء التمدن الحديث والداعين إلى البلوغ به أوج الكمال. وإذا لقيت رائد الطرف على ما تم في الأعوام الأخيرة أدركت أن ما انبعث في النفوس من المضاء يقوي الملك في أن يتمم القرن العشرون ما فات شقيقه الأكبر.
وإن ما ساعد الإنسان على بلوغ درجة من الترقي فاق بها أسلافه في القرون الماضية هو التعاضد والتكافؤ فهو العمل الذي كلل هامة التمدن في هذا القرن. ورمز هذا النظام: أن من الاتحاد قوة وغاية هذا التكافؤ تقوية صلات الأسرات بالمعارف الاجتماعية ومساعدة المرء العاجز عن العمل من مرض وحادث أو عطلة أو شيخوخة أو هرم فتألفت جمعيات حديثة غايتها أن تعطي رواتب ضماناً للحياة أو في حال الوفاة وقامت بعضها بأعمال خيرية وتهذيبية صناعية وبذل بعضها مجهود لنشر المعارف العلمية في مدارس عملية وتأسيس خزائن كتب وحدائق العملة وبعضها أخذت على نفسها القيام بالأعمال الصحية وتطهير المساكن وتحسين الشروط الحيوية في العملة وتعاهد بعضهم على مقاومة السل وذلك أولاً بالبحث عن أسباب الشقاء الاجتماعي ثم بإحداث ملاجئ ومصاح. وتألفت بعض جمعيات للقيام بحماية الأمومة والطفولة. ناهيك بأن مبدأ التكافل الاجتماعي قد أشربت النفوس حبه في البلاد الإفرنجية حتى أن فرنسا بعد أن كان فيها عام ١٨٩١، ٩١٤٤ جمعية وأعضاؤها ١. ٤٧٢. ٢٨٥ ورأس مالها ١٨٣. ٥٨٧. ٤٥٠ فرنكاً قد صارت سنة ١٩٠٤ ١٨٥٠٠ جمعية وأعضاؤها ٣. ٧٠٠. ٠٠٠ ورأس مالها ٣٨٠ مليوناً ودخلها ٥٤ مليوناً. وكفى بأنه تألف في شهر أبريل فقط سنة ١٩٠٤ في فرنسا ١١٧ جمعية جديدة.
هذا ولا ريب أنه ستعظم صلات التكافؤ بين صالح الأفراد ومصالح الأسرة البشرية العظمى بكثرة تلك الجمعيات الراقية وتأصل ملكة التكافل الإنساني فتزيد تلك الصلات في كل يوم عن امسه توطيداً. وكيفما دارت الحال فإن هذا يعد من الارتقاء العظيم في السلم الاجتماعي على حين كان معدوداً من قبل من الخيالات الباطلة ولابد أن يأتي يوم يعد فيه من الضرورات للسلامة العامة. فإن افتخر القرن التاسع عشر بأن بسط المشاكل الاجتماعية ومثلها على بساط الوجود فمن الفروض المحتمة على القرن العشرين أن يأتي