للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والتصوير الشمسي أكثر من الآن. ولكن لا يتأتى أن يدون بهذه الواسطة إلا جزء صغير من الحوادث وما وراءها وهو الأهم كنحو ما يضمر في روح البشر ويبقى مخفياً عنا فلا سبيل إلى نقشه ونقله. والحقيقة أن لكل مؤرخ رأياً خاصاً في الصور الكبرى من الماضي والحاضر وقلما تتفق صوره على صور رصفائه.

التاريخ هو غير تدوين الوقائع بل هو خارج عنه وأرقى منه وما التاريخ إلا مجموع حوادث اعترضت الجهاد الإنساني في سبيل الحياة فهو تابع الأعمال والمحن والميول والحقائق التي يحاول الإنسان بها أن يوفق بينه وبين الشروط الطبيعية والصناعية الكائنة في المحيط الذي ولد فيه ويجب عليه أن يعيش وسطه فلا ترى بين رجل عادي ورجل فاتح فرقاً في الطبيعة وكلاهما خاضعان للقوانين الفطرية فالأول لا علاقة له بغيره قد يعيش ويموت فلا يدري به أحد أما الثاني فيؤثر بأفكاره وأعماله في ألوف وملايين من أبناء جنسه فالفرق بينهما في الكمية لا بالكيفية وكم من أناس كبر مقامهم من دونوا أخبارهم حتى أن كثيرين ليعجبوا من أرباب الرحلات السخفاء عجبهم من كبار الفاتحين المصلحين وكم من أناس هم عظماء في نظر أمة ولا يذكرون عند أخرى وكم من زلازل وحرائق أثرت في الانقلاب البشري أكثر من الحروب والغارات وما سبب ذلك إلا المؤرخون فإنهم غالوا في هذه وسردوا أخبار تلك على وجه عادي.

قال ومن المحقق أن معرفة الحوادث التاريخية ليس فيها ضرورة حيوية كما هو الحال في الظواهر الطبيعية ونواميسها بل إنها تسد في المرء حاجة نفسية بل حاجة اجتماعية. وملكة النقد على الجملة غير مرتقية في السواد الأعظم من الخلق فلم يرزقوا استعداداً للتمييز بين الحق والباطل وقلما يهتمون بذلك فكل قول يؤكد قائله صحته يقبلونه مصدقين بدون أن يطلبوا الدليل عليه وأن يبحثوا عن درجته من الصحة والتثبت. فكما أن اللاهوت يوقف الناس عن الأسباب الأخيرة في نظام هذا العالم أو المعجزات تكشف خفايا المستقبل هكذا تدوين الحوادث التاريخية كان يوقفهم على معميات الماضي. ولو اهتم البشر بالاطلاع على الأسباب الأخيرة على نسبة اهتمامهم بالاطلاع على الأسباب القريبة لقضي على عالم اللاهوت منذ عهد طويل على نحو ما جرى ما جروا في التاريخ الطبيعية الذي خلفه بلينوس وعلم الحياة تألف أرسطو وكتاب الطبيعة لبطليموس ولو اهتموا بمعرفة الماضي