هذا الاعتقاد بين اليهود لم ينم دفعة واحدة بل نشأ على مهل ويتأثره المطالع في العهد القديم بوضوح كما نجده واضحاً في العهد الجديد وفي الحقيقة أن كلمة الشيطان لا توجد في التوراة إلا في خمس مواضع وفي آثار الأنبياء العبريين الأولى لا يوجد اعتراف بروح شريرة تقاوم إرادة الله والصورة التي صورت بها هذه الروح الشريرة في آثار متأخريهم تختلف كثيراً عن الصورة التي صورها متأخرو علماء اللاهوت. إذاً ما هو أصل الاعتقاد بالشيطان من حيث أنه روح خبيثة مطرودة فالجواب الذي يذكره المنقحون من المعاصرين أن هذا الاعتقاد نشأ من اختلاط اليهود بالفرس لما كانوا منفيين في بلاد فارس فالاعتقاد الفارسي يقسم الدنيا بين إلهين موجودين مختلفين الواحد خير والآخر شر إلا أن كليهما له حصة في الخلق والإنسان. فأهر مزده كان مقدساً صادقاً تجب له العبادة والاحترام وأما أهر من روح الظلام ذو العقل الشرير فلم يكن اقل قدرة وكان يدعي الحق بمساواة أهل مزده من حيث إطاعة الإنسان له وفي القرون الوسطى كان الاعتقاد بالشيطان عظيماً فالقديسون كانوا يحبسون أنفسهم وغيرهم بخصام دائم معه ومن الصعب علينا الآن أن نتصور مقدار التأثير لهذا الاعتقاد في معيشة الناس حينئذ فإنه كان الفكر الثابت في رأس كل إنسان خصوصاً من القرن الثالث عشر إلى القرن الخامس عشر وهي مدة يمكننا أن نعد هذه الخرافة بلغت فيها منتهاها ومن المحقق أن هذه العقيدة لم تنقص إلا قليلاً في القرن الخامس عشر بل حتى في القرن السادس عشر أو السابع عشر، ولوثيروس كان يشعر دائماً بتماس الروح الشريرة ومعاكستها ففي مكتبته وفي فراشه وحجرته كان الشيطان يتداخل في أشغاله أو راحته ولما كان يباشر درسه سمع صوتاً عرفه حالاً أنه صادر من عدوه الشيطان قال فلما وجدت أنه يريد أن يعود مرة ثانية إلى عمله جمعت كتبي وذهبت إلى فراشي وسمعته مرة ثانية في الليل ماشياً في الرواق لكنني لما كنت أعلم أنه الشيطان لم أهتم به بل غرقت في نومي وكذلك يقول لوثيروس ولما أفقت في هذا الصباح باكراً جاءني الشرير وابتدأ يجادلني فقال لي أنت مذنب عظيم فأجبته ألا يمكنك أن تأتيني بنبأ جديد يا شيطان. ولما تقدم المعقول في القرن الثامن عشر تناقص هذا الاعتقاد بانتشار التأثرات الشيطانية والشعور بما فوق الطبيعة تضاءل من جميع جهاته ولاسيما الاعتقاد القديم بسلطة الشيطان المطلقة على مصير الإنسان ومع أن الشعور الديني ازداد كثيراً منذ