خطب المستر روزفلت في الخرطوم قاعدة السودان جماعة من طلبة المصريين والسوريين في دار أحد مراسلي الأميركان في شهر ربيع الأول ١٣٢٨_١٩١٠ وانتقد ما يرمي إليه كثير من الشبان في أوربا وأميركا وأفريقية من الرغبة في التولف وخدمة الحكومة فأرادهم على ترك الاتكال والعمل في أعمال المعاش على طريق الاستقلال قال:
فمتى قلت لكم أنه يجب عليكم أن تؤيدوا الحكومة لا أريد أن يخطر لكم أنني أريد من قولي هذا أنكم مضطرون إلى السعي وراء أحرز الوظائف فيها (ضحك) بل إن الأمر على عكس ذلك. وأرجو يا حضرة الدكتور جفن (رئيس الإرسالية الأميركية في السودان) أن الأعمال التي قمتم بها هنا والتي تقوم بها سائر المعاهد العلمية التي لكم صلة بها سترمي إلى تلك الغاية. فتذكرون دائماً أن أعظم الناس خدمة ونفعاً للحكومة هو الرجل الذي يأبى على كل حال أن يشغل وظائفها.
أما أنا فلا أريد أن أرى كلية من كليات الإرسالية موجهة سعيها الأول وجاعلة غايتها الرئيسة من التعلم مجرد تخريج طلبة لإحراز الوظائف في مناصب الحكومة. بل أريد أن أرى المتخرج مستعداً للعمل باستقلال وبدون أقل اهتمام بأية مساعدة ينالها من راتب يتقاضاه من الحكومة. فإن أفضل الوطنيين شأناً هو من برع في الهندسة والصناعة والزراعة ومن سوء الحظ أن يقع في الأذهان سواء في أميركا وأوربا وأفريقية أن الرجل المتعلم يجب أن يجعل غايته الوحيدة اتخاذ وظيفة في خدمة الحكومة. إنني أرجو أن يتخرج من هذا المعهد العلمي وأمثاله عدد من أفضل الموظفين لخدمة الحكومة في أعمالها العسكرية والملكية ولكن إذا وافقت الأحوال فإن موظفي الحكومة بين ملكيين وعسكريين يكونون دائماً العدد الأقل من المتخرجين. لأن الغاية العظمى التي يجب أن ترمي إليها المعاهد العلمية هي تخريج رجال يستطيعون العمل بدون مساعدة ويستطيعون أيضاً مساعدة أنفسهم وغيرهم وهم على استقلال تام بدون أن تكون لهم أقل علاقة بالحكومة. وهذه مسألة أهتم بها كثيراً هنا اهتمامي بها في أميركا بالذات. . . .
وفي الختام أقول لا تقعوا في الخطأ الذي يقع فيه الشبان منكم فتظنوا أن علمكم قد انتهى بخروجكم من المدرسة أو الكلية. بل اعلموا أنكم إنما أنجزتم نصف العلم فأنا الآن في الخمسين من عمري ولو أني توقفت عن تحسين حالي وزيادة معارفي لشعرت أن قد أوشك