إطعامهم لقوام أجسامهم وتغذية الأرواح مفضلة عند الكثيرين على تغذية الأشباح.
لو تعلم أولاد الأغنياء أن التعليم العصري المطلوب وربوا على الأخلاق الفاضلة أخلاق العمل والحساب لما خيف على ثروات آبائهم من التبدد ولتوارثوا النسب كما يتوارث النشب كابراً عن كابر فتتسلسل الوجاهة في بيوتهم الجيل بعد الجيل والعصر بعد العصر فلا يخافون عيلة ولا يشكون سقوط منزلة. وأصدق مثال يصح الاستشهاد به كل حين ما يراه كل إنسان من الفروق في حالة المسيحيين والمسلمين وهم أبناء وطن واحد لا يختلفون في طبائعهم ولا في عاداتهم وهم قد فاقوا المسلمين بمبادئ يتعلمونها من اللغات والعلوم وطاب العيش فقيرهم منهم أكثر من عيش الغني في المسلمين وذلك بفضل ما تعلموه من حسن التربية والحساب للمستقبل وعدم الاتكال على الحكومة وأعمالها بل على الكفاءة واستخراج الثروة من المذاهب الطبيعية في المعاش.
وعقد ابن خلدون عقداً في نهاية الفصل في أن نهاية الحسب في العقد الواحد أربعة آباء فقال:
إن باني المجد عالم في بنائه ومحافظ على الخلال التي هي أسباب كونه وبقائه وابنه بعده مباشر لأبيه قد سمع منه ذلك وأخذه عنه إلا أنه مقصر في ذلك تقصير السامع بالشيء عن المعاني له ثم إذا جاء الثالث كان حظه الاقتفاء والتقليد خاصة فقصر عن الثاني تقصير المقلد عن المجتهد ثم إذا جاء الرابع قصر عن طريقهم جملة وأضاع الخلال الحافظة لبناء مجدهم واحتقرها وتوهم أن ذلك البنيان لم يكن بمعاناة ولا تكلف وإنما هو أمر وجب لهم منذ أول النشأة بمجرد انتسابهم وليس بعصابة ولا بخلال لما يرى من التجلة بين الناس ولا يعلم كيف كان حدوثها ولا سببها ويتوهم أن النسب فقط فيربأ عن نفسه عن أهل عصبيته ويرى الفضل له عليهم وثوقاً بما ربي فيه من استتباعهم وجهلاً بما أوجب ذلك الاستتباع من الخلال التي منها التواضع لهم والأخذ بمجامعهم وقلوبهم فيحتقرهم بذلك فيغنضون عليه ويحتقرونه ويدبلون منه سواه من أهل ذلك المنبت ومن فروعه في غير ذلك العقب للإذعان لعصبيتهم بعد الوثوق بما يرضونه من خلاله فتنمو فروع هذا وتذوي فرع الأول وينهدم بناء بيته هذا في الملوك وهكذا في بيوت القبائل والأمراء وأهل الصبية أجمع ثم في بيوت أهل الأمصار إذا انحطت بيوت نشأت بيوت أخرى من ذلك النسب يشأ يذهبكم