وأكبر دليل على أن نظارة المعارف العثمانية جاهلة بطبائع البلاد أنها أسست مدرسة لتخريج المعلمين في دمشق ولم تذكر اسماً فيه للعلوم العربية لغة الدين والبلاد وجعلت الجهد كله مصروفاً إلى تلقين التركية حتى لا يعلم الأساتذة الجدد إلا ما تعلموه ويكثر عدد العارفين بالتركية والمنحلين من لغتهم فلا يأتي زمن خصوصاً متى أصبح التعليم الابتدائي إجبارياً إلا وقد أهمل العرب لغتهم بتاتاً.
صرحنا بهذا وإن كان فيه غضاضة كبرى على العرب الذين لم يستفيدوا من حرية الدستور حتى الآن وينشئوا على الأقل كتاتيب منظمة لتلقين لغتهم من أيسر الطرق حتى ينتفعوا بعد الآن بأولادهم حق النفع ولا يفقدوا عدداً كبيراً ممن يدخلون مدارس الأجانب فتنحل وطنيتهم تضعف لغتهم. أما مؤسسو تلك المدارس أجنبية كانت أو أميرية فإنهم يعذرون للسبب الذي أوردناه آنفاً وهو أن القوي يريد أن يستغرق الضعيف سنة من سنن الكون. ولم يبلغ البشر درجة راقية من التمدن حتى تتساوى في عيونهم اللغات والعناصر كلها وتتجرد أمة فتفنى لإحياء غيرها وتقلل من جنسها لتزيد سواد الآخر ولا تهمها دارها وتريد هدمها لتعمر بأنقاضها دار جارها والسلام.