ولقد قال غيره البليغ من يحوك الكلام على حسب الأماني ويخيط الألفاظ على قدود المعاني ومن أجلى ما وصفت به البلاغة قول أحد العلويين البلاغة إيصال المعنى إلى القلب بحسن صورة من اللفظ وهو يضارع قول بعض الأعراب البلاغة إيجاز في غير عجز وأطناب في غير سفسفة.
هذه هي الصناعة التي يحسبها الناس لعقة من عصيد أو لقمة من ثريد فلا يكاد الصبي منهم يقرأ الأجرومية أو شيئاً من شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك ويتلقف بعض ما أوجده الخليل بن أحمد في دائرة البحور من الأعاريض وقيده إسماعيل الجوهري على بعض صفحات الصحاح من حوشي الألفاظ حتى يتربع في دست التصنيف والتأليف أو يقف على منبر الإمام الخطيب أو يسمي نفسه بالشاعر الساحر فيملأ الدنيا صناناً وهو يظنه عطراً وملاباً أو رنداً أو أقحواناً ولله الأمر من قبل ومن بعد وما هو بغافل عما يهذرون.