للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

النحاة ولا المتعصبة من المتفقهة بأنها لغة مقدسة غير قابلة للزيادة والنقص بل الواجب النظر إلى تاريخ هذه اللغة والبحث فيما إذا كانت بقيت جامدة على صورتها الأولى حقيقة أو أنها نشأت ونمت كما ينمو كل تركيب نام حي.

لا جرم أن كل امرئٍ يدرك أن اللغات لا تحيا على يد أساتذة الكليات ولا بتقارير النحاة ولا بأحكام المحاكم وأوامر الحكومات فاللغة الإفرنسية لم تنم منذ عهد كوبلر إلى زمن بريان بهذه الطريقة بل إن العربية على ما فيها من الكتب والنحو والعروض التي شرحها معلمو الجوامع لا تعد لغة أدب فكما أن الإفرنسية تحيا بكتابها المبدعين المجددين أكثر من حياتها برجالها اللغويين والباحثين في أصولها هكذا اللغة العربية عاشت طول عمرها خارج الكيات الإسلامية بفضل أعمال المجددين والمترجمين والعلماء والفلاسفة والشعراء الذين كانوا في عصور مختلفة مع تمسكهم بقواعد النحو العربي الذي كانت الكليات مهيمنة عليها فهم يقفون ما أمكن موقف التوفيق بين ما يكتبون وبين اللغة التي يعجبون بها وحق لهم العجب من كمالها وغناها وجمالها. ومع هذا لم يقفوا ساعة عن تقويتها بما يحملونه إليها من الأفكار الطارئة ولغات الشعوب الأخرى.

وإذا أبى المسيو نويل الخروج عن هذا القياس وادعى بأن اللغة المصرية اليوم هي لغة حديثة نشأت من قطع ملفقة من التقارير وليست من التقديس في شيءٍ أي ليست اللغة العربية في معناها الحقيقي بل هي لغة صناعية وإن اللغة المقدسة هي التي استعملها القرآن فقط وفيها الغريب_إذا قال بهذا فهو يحذف بقياسه من الآداب العربية كتب المؤرخين والعلماء والفلاسفة وغزل الشعراء لأنها مملوءة بالمولد أو أنه يعتبرها من الكلام الوحشي الغير المأنوس ويقتصر بأن لا يعد من الآداب العربية إلا القرآن وتفاسيره وربما كانت هذه التفاسير بحسب زعم المسيو نويل من غريب الكلام أيضاً.

أما أنا فلا أفرط في التدقيق أكثر من عالم من علماء المسلمين بعد أن رأيت في دور المكتب أناساً من صلحائهم ينظرون في كتب القرآن والفقه وبجانبها تآليف كتبت باللغة العربية الحديثة بل مترجمات لفلاسفة يونان. ولذلك أسمي باللغة والآداب العربية تلك اللغة وتلك الآداب التي اتفق جمهور المسلمين وأمثال سلفستر دي ساسي ودارمبورغ وغولدسير وغيرهم من العلماء على تسميته بهذا الاسم.