هذه المسليات إلى صورة درس في الجغرافيا أو الطبوغرافيا فيرسمون بعض أنهار بلادهم وما عَلَى حفافيها من الأراضي والمصايف والحصون. وكبار الأولاد يدربون صغارهم عَلَى هذه الألعاب كما أن المعلمين يلاعبون كبار الطلبة بدون أن يظهروا بأنهم في صدد درس بل أنهم في لعب ونزهة.
ولطالما لاحظ علماء التربية أن جهاد المرء إذا صرف إلى غاية نافعة يكون عليها في نفس الطفل لذة زائدة فتؤثر في تربيته أكثر مما تؤثر الأعمال التي لا نتيجة لها فقد قال أرسطو أن كل حي يحب نشاطه. فإذا كان العمل فرحاً فهو كذلك عَلَى شرط أن يتم لا بالإكراه بل بحرية أي أن يتم بإرادة المرء مدفوعاً إليه بغايته الطبيعية وهي الإيجاد والإيلاد والإحداث.
ولذا اختصت المدرسة كل تلميذ بقطعة صغيرة من الأرض حديقة يزرعها ويستنبتها ما يريد فهو مالك هذه الروضة الذي لأراد لحكمه وله ريعها زهوراً كان أو ثماراً فترى أحدهم يزرع قرنفلاً أو ورداً ليقدم منها باقة لكبار أسرته وآخر يميل إلى العمليات فيزرع فجلاً أو بقولاً وبقوة الماء والعناية يستخرج من تلك الأرض الرملية المحرقة غلات نافعة حتى إذا تقدم في السن يدرك كم بذل الفلاح من العناية حتى أتاه بخبز عمل من الجاودار وصفحة من البقول. وهناك طفل آخر مولع بالنبات فيربي في روضته نباتات نادرة من الغابة ويدرس كيفية نشوءها. وهكذا أُشرب أخلاق كل واحد من هؤلاء المتعلمين وكلهم يفكرون فيما يستنبتون أن يقدموا من أول غلة لأقربائهم وأبويهم دليلاً عَلَى مهارتهم وحذقهم. ولا تسل عما يبذله أولئك الأطفال من الهمم ليدخلوا الشرور عَلَى قلوب غيرهم وكم لها من الشأن والقيمة الأدبية التي لا تضاهى.
أما الطعام الذي يتناوله فقد اختارته المدرسة من أقلها نفقة وأكثرها تغذية لأن المقرر الذي يدفعه التلامذة وأكثرهم من الفقراء لا يكفي لتقديم المأكولات الثمينة. وطعام الغذاء الذي يقدم الساعة الثانية عشرة ونصف وقت الظهر هو أكبر طعام وما عداه فالأولاد يأكلون كل يوم أربع وجبات الأولى الساعة السابعة يقدمون له كأساً من اللبن الحليب وقطعة خبز ومربيات لأنهم يعتبرون السكر مادة من مواد الغذاء ومقوياً. وفي الساعة العاشرة يقدمون أكلة خفيفة أيضاً وعند الظهر طعام مغذ مؤلف من ثريد ولحم لا يقل عن مئة غرام لكل ولد وبقول معدلها من ١٥٠ إلى ٢٠٠ غرام وفاكهة أو حلويات أو مربيات. وفي الساعة الرابعة