للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يوم بهجة للمرء ودقة الفكر التي هي ذات أشكال لا تدرك بالتصور؟ أيتعلمها في الكتب وفي الدروس التي تلقى على مسامعه فيصغي إليها أو في رسائل يستظهرها؟ كلا إنه لا تعلمها في شيءٍ من ذلك بل يتعلم في الهواء الذي يعيش فيه والمحيط الاجتماعي الذي يصير إليه يتعلمها بحياته في أسرته ليس إلا. .

فالحنان الآخذ بعنان الأسرة بما فيه من الانتباه والحب هو الذي يربي حسن الطفل من نفسه بعيداً عن قلة الاهتمام والعدوى والحسد بعيداً منذ نعومة أظفاره عما يعبث به. ويجب أن لا يدفع الأولاد للخدامين والخدامات فإنهم يفسدونهم بضعف عقولهم وقلة عنايتهم حتى أن ولداً في الثالثة عشرة أصبح أبله بصنع خادمة ارادت تسكيته فوضعته في غرفة وأقفلت عليه الباب بضع دقائق حتى إذا فتحت الغرفة وجدته متخشباً وقد عولج الولد فشفي إلا أنه بقي أبله طوال حياته. فصح فينا ما قاله بلوتارك في القديم: من الغريب أننا نرى الواحد منا يستخدم خادماً له في حرث أرضه وآخر لتنظيم داره وغيره لإدارة نفقته فإذا كان له خادم سكير لا يستطيع عملاً يعهد إليه بتربية ولده ونحن كم عندنا من معلم ومعلمة خانهم الدهر فعمدوا إلى اتخاذ التعليم حرفة وهم ليسوا على شيءٍ من الأخلاق التي تطلب منهم لتربية خلق المتعلم فيرث الأولاد عنهم نقائصهم وأحياناً مفاسدهم بل يقتبسون دناءة النفس فيتجردون عن المطالب العالية النضيحة قبل أن يبلغوا السن اللازمة.

ولذلك وجب على الوالدين أنم لا يتخلوا لأحد عن ملاحظة أولادهم ففي الطفولية يتولون ذلك بأنفسهم وأثناء الدراسة يشرفون إشرافاً عليهم ولا يدفعونهم إلا لمعلمين أكفاء على أن دلال الولد وملاطفته على الدوام قلما تنشئ رجالاً أو نساء أحرياء بالاعتبار لأن رخاوة الحس على هذه الصورة تبعد بالولد عن تحمل المكاره والإفراط بالعناية به تعده إلى أن لا يتوقع إلا الدلال فالشاب يتطلب من الزوجة رفيقة لا أماً والشابة تنتظر أن تكون لعبة لا ملكاً. وهذه العيوب تلحق الولد الوحيد في الغالب لأن والديه يبالغان في دلاله.

وأضر ما يكون على طفل الإغراق في قضاء رغائبه وإعطاؤه من اللعب ما لا تشتد حاجته إليه بل أن يكون من شأنه أن يعوده على الإسراف والبذخ وخير من ذلك أن يعود الولد الحرمان والتقشف لأن الشدة القليلة في التربية تدعو المربى إلى الشجاعة. وعرف الإسبارطيون ذلك حق المعرفة وهذا هو السبب في أن الإنكليز مازالوا محافظين على