للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المؤلفين ويشرح لهم عواطفهم على صورة تتمثل فيها الحياة والشعور وتبعث في روحه احتذاء مثالهم وبذلك لا يكون من تعليم الفنون والآداب فتح السبل التي يفيض منها حس المتعلم بل إن حسه إذا تجمع على هذا النحو تزيد قوته وصفاؤه وتنبع منه ينابيع لا تجف طوال الحياة.

يقول بعضهم أن التربية العلمية الصرفة تجعل الذوق قاحلاً ولطكن ربما كان العلم يتطلب قوة في التحمس كما تتطلب الفنون والآداب من الصانع والكاتب فالبحث عن الحقيقة يستدعي إخلاصاً شديداً كالنظر في الجمال. والمرء كما يقول باسكال اقل سكراً باستحصال تركيب الطبيعة وما فيه من اللانهاية منه في إيجاد شيءٍ من تصوره. فالذين يصرفون حياتهم في البحث ليسوا أقل قوة ممن يخترعون أفكاراً من نفوسهم.

قال كلود برنارد: إن الرغبة الشديدة في المعرفة هي الباعث الوحيد الذي يجذب الباحث ويعضده في أعماله وهذه المعرفة هي التي يمسكها فتفر أمامه على الدوام وتكون في الوقت نفسه عذابه الوحيد وسعادته الوحيدة فمن لا يعرف كيف يقاسي المرء العذاب من أجل الحصول على مجهول لا يعرف الأفراح التي تصيبه عند اكتشاف الجديد وهي أفراح لا يدانيها شيءٌ في العالم للحقيقة كما للجمال بهاءٌ وجلال ولذلك كم فائدة تكون للحس ولارتقاء العلوم في المستقبل أن يكشف عنها القناع أمام أعين من يعلمهم إلا أنه يجب لإشراك التلامذة في البحث أن تكرر لهم تلك الحقائق ويطلب منهم أن يبحثوا بأنفسهم وأن يوفر لهم قسطهم من السرور باكتشافها فيطلعون على مقدمات العلوم والاكتشافات العظيمة ويشوقهم إلى احتذاء مثال من جاهدوا جهاد الأبطال امام قوى الطبيعة حتى تبطنوا أسرارها فإذا حمى وطيس البحث ينشأ فيهم حب الغاية المنشودة كما أن من يبدأ باللعب ويكون ضعيفاًُ لأول أمره لا يلبث أن تنبعث له همته ويزيد لبلوغ الغاية غرامه. وهذا يستدعي لتعليم الاداب أنم يجعل التلميذ مع اتصال بالحقيقة والطبيعة التي هي ميدان درس العالم بدلاً من حصره في مآزق تبعث نفسه على المقس والتأفف في حين كان يجب أن تذكي فيها شعلة حب العلم فقد قال الفيلسوف رنان: إننا نشبه بالقديسين والأبطال وكبار الرجال في كل عصر وجيل أهل الأخلاق العلمية الذين وقفوا أنفسهم خاصة للبحث عن الحقيقة غير مبالين بالملل بل ربما فاخروا بفقرهم وبسموا لما يقدم إليهم من التكريم وتساوى في نظرهم