فلما مات ابن عثمان رجع إلى وطنه القديم فدخل حلب فأقام بها نحو ثلث سنة ثم الشام وكان دخوله لها في جمادى الآخرة سنة خمس وعشرين فجلس بحانوت مسجد القصب مع شهوده يسيراً ليكون معظم أوقاته الانعزال عن الناس وقرأ بها على القاضي شهاب الدين بن الحبال الحنبلي صحيح مسلم في سنة ثلاثين فلما قدم العلاء البخاري سنة اثنين وثلاثين مع الركب الشامي من الحجاز انقطع غليه ولازمه في الفقه والأصلين والمعاني والبيان والتصوف وغيرها وكان مما قرأ عليه الكافي في الفقه والبزدوي في أصوله وتقدم في غالب العلوم
وأنشأ النظم الفائق والنثر الرائق وصنف نظماً ونثراً مرآة الأدب في علم المعاني والبيان والبديع وسلك فيه أسلوباً بديعاً في التلخيص وعمل قصائد غزلية في كل باب منه قصيدة مفردة على قافية أشار إليه شيخنا بقوله وأوقفني على منظومة في المعاني والبيان وأجاد نظمها وجعل كل باب قصيدة مستقلة غزلاً يؤخذ منه مقصد ذلك الباب انتهى. ومقدمته في النحو. ومقود لنصيحة. والرسالة المسماة بعقد الفريد في التوحيد. ونثراً تاريخ تيمورلنك سماه عجائب المقدور في نوائب تيمور. وفاكهة الخلفا ومفاكهة الظرفا. وخطاب الأهاب الناقب وجواب الشهاب الثاقب. والترجمان المترجم الأرب في لغة الترك والعجم والعرب.
وأشير إليه بالتفنن
حتى كان ممن يجله ويعترف له بالفضيلة شيخنا واثنى على نظمه التلخيص كما قدمته بل كتب عنه نظمه لدخله في البلدانيات فقال أنشدني بمنزلة برزة بالقرب من قرية القابون التحتاني في سابع رمضان سنة ست وثلاثين لنفسه:
السيل يقلع ما يلقاه من شجر ... بين الجبال ومنه الأرض تنفطر
حتى يوافي عباب البحر ينظره ... قد اضمحل فلا يبقى له أثرا
مع حرص صاحب الترجمة حين كونه بالقاهرة على ملازمته والاستفادة منه بل امتدحه بقصيدة بديعة أتى فيها بالغار وتعامي وأهاجي وجناسات تلعب فيها بضروب الأدب أودعتها الجواهر والدرر سمعتها منه ومن لطيف أبياتها بيت جمع فيه حروف الهجاء وهو:
خض بحر فظ حديثه تغش العلا ... وأجزم بصدقك ناطقاً إذ تسند