ولما تولى الملك الناصر أحمد بن الملك الناصر بن محمد بن قلاوون في الكرك أقام فيها أياماً في لهو ولعب فأنكروا عليه أموراً لا تليق بالسلطنة فاتفق أهل الشام على خلعه وأرسلوا إلى المصريين في ذلك فأجابوهم وسلطنوا أخاه الصالح إسماعيل ووردت المراسيم إلى جميع ولايات الأعمال الشامية بتجريد العشرات وغيرهم إلى الكرك وعينوا على معاملتي صيداء وبيروت خمسماءة راجل فذهبوا إليها سنة ٧٤٣ ووجدوا في القلعة ومع السلطان أحمد خلقاً كثيراً وقد نصبوا على القلعة في أعلاها خمسة مجانيق ومدافع كثيرة وكان الكركيون يظهرون من باب القلعة ويقاتلون أحياناً كثيرة وكان الحصار والزحف مستمراً ونصب المحاصرن على القلعة منجنيقاً يرمي بحجارة وزنها خمسة وثلاثون رطلاً.
وكان يحكى عن السلطان أحمد أنه كان شاباً حسن الشكل عبل البدن وكان يلبس ملبوس العرب ووسع أكمامه على زي الكركيين وكان يظهر لهم أنه لبس هذا الزي محبة فيهم.
وكان يجلس كل يوم بين شراريف القلعة ويرمي سبعة سهام صيغت لها نصولها من فضة موشاة بذهب كانت تدل على قوة قوسه وكان إذا أراد أن يرمي السهم رفع يده التي فيها القوس فيسقط كمه من سعته إلى كتفه حتى يبان شعر إبطه وكان غليظ الذراع أبيض اللون ورأوا له سهماً في حصار الكرك وقد نقش عليه هذان البيتان:
ومن جودنا نرمي العداة بأسهم ... من الذهب الإبريز صيغت نصولها
يداوي بها المجروح منها جراحه ... ويشري بها الأكفان منها قتيلها
وهما للأمين بن هرون الرشيد وكان لما حضره عبد الله بن طاهر في بغداد بعساكر أخيه المأمون صنع نصول النشاب من خالص الذهب ونقش عليها هذين البيتين.
ولما دخلت سنة أربع وأربعين ضعفت حالة السلطان أحمد والكركيين وكان زرعهم قد رعي رعاه التركمان والعربان وكان أكثر دورابهم قد نهبت وانقطع عنهم الجلب وحالهم في ضعف وأخذت قلعة الكرك سنة خمس وأربعين وسبعمائة وأخذ سلطانها وقتل وذلك بعد أن تجمعت عساكر الشام على حصارها زهاء سنتين.
وبعد فليس في التاريخ ولاسيما من بعد دخول الدولة العلية إلى هذه البلاد شيءٌ ينقل ليفيد في حالة بلاد الكرك اللهم ما كان من انتقاض أهالي هذه البلاد على إبراهيم باشا المصري لما فتحها أيام دخوله إلى سورية في أوائل القرن الماضي ونظم إدارتها وجعل لها حامية