السنين جنة لما خصتها به الفطرة من المواهب وتنقلب تلك الخيام السوداء كما قال أحد العرافين دوراً قوراء فأصبحت بسوء الإدارة بيوت ارزاء ولأواء.
كاد أولئك البادية يضعون ثقتهم بالحكومة يوم تولى أمرهم إداري يقيم نصاب العدل ويرفع عن عاتقهم عدوان زعمائهم الجاهلين ولكن جرى الأمر على عكس ذلك فأخذ السكان يستضعفون حكومتهم خصوصاً بعد أن قاموا منذ زهاء سنتين وهجموا على دار الحكومة وكان بلغهم أنها تريد إحصاء نفوسهم والحقيقة أنها كانت في صدد انتخاب نائب منهم يمثلهم في مجلس الأمة. ولو أحسن متصرفهم إذ ذاك التصرف صحت عزيمة الحكومة على إنزال العقوبة الشديدة بمن شقوا عصا الطاعة لما حدث اليوم أحدث فخرب العامر والغامر وتضرر الحاكم والمحكوم عليه.
فإن يوماً في فتنة يخرب ما لا يعمر في سنين. وعدل ساعة يحيي الأرض أكثر من كل قوة في غير محلها. فوا أسفاه لبلاد مثل هذه تؤوي الملايين من البشر يعيشون من تربتها سعداء وهي اليوم لا ينولها سوى ألوف لا يستفيدون منها ولا يفيدون وها قد زادت اليوم فوق خرابها خراباً. وكانت بالأمس مملكة ذات منعة وهي الآن بما تحيفها من الدمار عبرة لمن اعتبر فسبحان من يشقي ويسعد ويغني ويفقر.