للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قد ينسب أيضاً إلى أحد المذاهب لكثرة موافقته له كالنسائي والبيهقي ينسبان إلى الشافعي.

فكان لا يتولى القضاء ولا الافتاء إلا مجتهد ولا يسمى الفقيه إلا مجتهداً.

ثم بعد هذه القرون كان ناس آخرون ذهبوا يميناً وشمالاً وحدث فيهم أمور (منها) الجدل والخلاف في علم الفقه (ومنها) أنهم اطمأنوا بالتقليد ودب التقليد في صدورهم دبيب النمل وهم لا يشعرون وكان سبب ذلك تزاحم الفقهاء وتجادلهم فيما بينهم فإنهم لما وقعت فيهم المزاحمة في الفتوى كان كل من أفتى بشيء نوقض في فتواه ورد عليه فلم ينقطع الكلام إلا بمسير إلى تصريح رجل من المتقدمين في المسألة (وأيضاً) جور القضاة فإن القضاة لما جار أكثرهم ولم يكونوا أمناء لم يقبل منهم إلا ما لا يريب العامة فيه ويكون شيئاً قد قيل من قبل (وأيضاً) جهل رؤوس الناس واستفتاء الناس من لا علم له بالحديث ولا بطريق التخريج كما ترى ذلك ظاهراً في أكثر المتأخرين وقد نبه عليه ابن الهمام وغيره وفي ذلك الوقت يسمى غير المجتهد فقيهاً.

(ومنها) أن أقبل أكثرهم على التعمقات في كل فن فمنهم من زعم أنه يؤسس علم أسماء الرجال ومعرفة مراتب الجرح والتعديل ثم خرج من ذلك إلى التاريخ قديمه وحديثه ومنهم من تفحص عن نوادر الأخبار وغرائبها وإن دخلت في حد الموضوع، ومنهم من كثر القيل والقال في أصول الفقه واستنبط كل لأصحابه قواعد جدلية فأورد فاستقصى، وأجاب وتقصى، وعرف وقسم فحرر، طول الكلام تارة وتارة أخرى اختصر ومنهم من ذهب إلى هذا بفرض الصور المستبعدة التي من حقها أن لا يتعرض لها عاقل وبفحص العمومات والإيماءات من كلام المخرجين فمن دونهم مما لا يرتضي استماعه عالم ولا جاهل.

وفتنة هذا الجدل والخلاف والتعمق قريبة من الفتنة الأولى حين تشاجروا في الملك وانتصر كل رجل لصاحبه فكما أعقبت تلك ملكا عضوضاً ووقائع صماء عمياء، فكذلك أعقبت هذه جهلاً واختلاطاً وشكوكاً ووهماً مالها من أرجاء.

فنشأت بعدهم قرون على التقليد الصرف لا يميزون الحق من الباطل ولا الجدل عن الاستنباط فالفقيه يومئذ هو الثرثار المتشدق الذي حفظ أقوال الفقهاء قويها وضعيفها من غير تمييز وسردها بشقشقة شدقيه والمحدث من عد الأحاديث صحيحها وسقيمها وهذها كهذ الاسمار بقوة لحييه.