ويعيش تلامذة هذه المدارس داخليين لا في بيت واحد متسع بل في بيوت منفصلة بعضها عن بعض يوسد أمر النظر فيها إلى أساتذة ويختلف عدد المتعلمين في كل مدرسة منها بين ١٢ إلى ٥٠ وربما زاد عن هذا القدر يعيشون عيشة اجتماعية ودية ويتحابون على نحو ما يتحاب الأتراب ويتعاطفون تعاطف الأخوة ولجميع هذه المدارس الكبرى معابد يصلون فيها على وتيرة دائمة إن لم تكن متصلة بكنيسة، وللدين فيها تأثير شديد، والعامل الرئيسي في نجاح معلم في المدارس الابتدائية طريقته وأسلوبه وفي أستاذ الكلية سعة عمله وفي مدارس الشعب أخلاقه ولذلك تجد المعلمين والمتعلمين في هذه المدارس الأخيرة مرتبطين بحب مدارسهم والإخلاص لها ارتباطاً ينم عن سير المدرسة وأخلاقها وتقاليدها ومن مبادئ هذه المدارس أن تمنح تلامذتها ثقة كبرى وقد فوضت قسماً مهماً من المراقبة والنظام في بيوت المدرسة ومحال اللعب للمسنين منهم وللرياضات شأن عظيم جداً في حياة المدرسة وفي تربية الأخلاق.
وقد وصف اللورد بيكو نسفيلد هذه المدارس بقوله: إن ما يعجبني في مدارس الشعب هو أن طلبتها يعيشون في الهواء الطلق ويبرعون في جميع الألعاب الرياضية ولا يتكلمون إلا بلسان واحد وقلما يقرؤون، حقاً إن هذه الطريقة في التربية غير تامة ولكنها لم يسبق لها نظير منذ عهد اليونان.
وقال أحد علماء التربية أن مدارس الشعب كانت تنجح كثيراً في تخريج الرجال، وعلى ما دخل هذه المدارس من الإصلاحات لا تزال تنظر إليها نظراً ثانوياً ولا ترمي إلا إلى غاية واحدة وهي أن تخرج رجالاً أكفاء أمناء وطنيين مسيحيين وبعبارة ثانية أعضاء نافعين في الكنيسة والحكومة.
وإن ما دخل من الإصلاح على هذه المدارس منذ خمسين سنة وما يرجى إدخاله لا يتأتى فهمه على حقيقته إلا بالرجوع إلى تاريخها فإنا نراها إلى اليوم تدرس اللغتين الميتتين اللاتينية واليونانية بل قد جعلتهما المادة الجوهرية في التعليم الحر ويكفي أن نقول إن السبب في دخول هاتين اللغتين إلى التعليم العالي في الغرب المسيحي هو أن الكنائس كانت بجوهرها في القرون الثلاثة الأولى يونانية الأصل وكذلك اللغة والنظام والفلسفة، وباللغة اليونانية بلغت الآداب على اختلاف فروعها ما عدا الفقه أوج اكتمالها، وأصبحت