فلو اجتمع كل خطيب ثائر. من أول وآخر. يصفون سفراً نهضوا بالأسحار. وعسكراً تنادي بالنهوض إلى طلب الثار. ما زادوا على هذا إن لم ينقصوا منه ولم يقصروا عنه وسائر قصيدته في هذا المسلك شكاية وطلاب نصفة وعتاب في عزة وأنفة وهو من شعراء وائل وأحد أسنة هاتيك القبائل. وأما ابن كلثوم فصاحب واحدة بلا زياة أنطقه بها عز الظفر وهزه فيها جن الأشر فقعقعت رعوده في أرجائها وجعجعت رحاه في أثنائها وجعلتها تغلب قبلتها التي تصلي إليها وملتها التي تعتمد عليها فلم يتركوا إعادتها ولا خلعوا عبادتها إلا بعد قول القائل:
ألهى بن يني تغلب عن كل مكرمة ... قصيدة قالها عمرو بن كلثوم
على أنها من القصائد المحققات وإحدى المعلقات. وأما النابغة فأشعاره الجياد لم تخرج عن نار جوانحه حتى تناهى نضجها ولا قطعت من منوال خواطره حتى تكاثف نسمها لم تهلهلها ميعة الشباب ولا وهاء الأسباب ولا لوم الاكتساب فشعره وسائط سلوك وتيجان ملوك. وأما النابغة الجعدي فنقي الكلام شاعر الجاهلية والإسلام واستحسن شعره أفصح الناطقين ودعا له أصدق الصادقين وكان شاعراً في الافتخار والثناء قصير الباع لشرفه عن تناول الهجاء وكان مغلوباً في الجاهلية وطريد ليلى الأخيلية. وأما العشي بأجمعهم فكلهم شاعر ولا كميمون بن قيس شاعر المدح والهجاء واليأس والرخاء والتصرف في الفنون والسعي في السهول والحزون نفق مدحه بنات المحلق وكان في فقر ابن المذلق وأبكى هجوه علقمة كما تبكي الأمة. وأما الأسود بن يعفر فأشعر الناس إذا ندب دولة زالت أو بكى حاله حالت أو وصف ربعاً خلا بعد عمران أو داراً درست بعد سكان فإذا سلك هذا السبيل فهو من حشو هذا القبيل كعمرو بن زيد وسعد وسعيد. وأما حسان فقد اجتث بواكر غسان ثم جاء الإسلام وانكشف الإظلام فجاحش عن الدين وناضل عن خاتم النبيين فشعر وزاد وحسن وأجاد إلا أن الفضل في ذلك لرب العالمين وتسديد الروح الأمين. وأما دريد بن الصمة فصمة صمم وشاعر جشم وغزل هرم وأول من تغزل ي رثاء وهزل في حزن وبكاء فقال في معبد أخيه قصيدته المشهورة يرثيه:
إرث جديد الحبل من أم معبد
وهي من شاجيات النوائح وباقيات المدائح. وأما الراعي عبيد فجبل على وصف الإبل