قلت: يا أبا الريان أكثر الله مثلك في الإخوان ووقاك محذور الزمان ومرور الحدثان فلقد سبكت فهماً وحشيت علماً.
قال محمد قلت لأبي الريان في مجلس عقيب هذا المجلس يا أبا الريان لقد رأيت لك نقداً مصيباً ومرمى عجيباً ولقد أرغب في أن أنال منه نصيباً قال النقد هبة الموالد. زفيه زيادة طارف إلى تالد ولقد رأيت علماء بالشعر ورواةً له ليس لهم نفادٌ في نقده ولا جودة فهم في رديئه وجيده وكثير ممن لا علم له يفطن إلى غوامضه وإلى مستقيمه ومتناقضه. قلت أنا شديد الرغبة إلى فضلك في أن تسهمني من ميزك وعقلك ما أستهدي بسراجه على مستقيم منهاجه فأقف من سرائره على بعض ما وقفت وأعرف من متأخره ومعانيه جزءاً مما عرفت. قال نعم أول ما عليه تعتمد وإياه تعتقد أن لا تستعجل باستحسان ولا باستقباح ولا باستبراد ولا باستملاح حتى تنعم النظر وتستخدم الفكر واعلم أن العجلة في كل شيء مودئٌ زلوق ومركب زهوق فإن من الشعر ما يملأ لفظه المسامع ويرد على السامع منه قعاقع فلا يرعك شماخة مبناه وانظر إلى ما فيّ سكناه من معناه فإن كان في البيت ساكن فتلك المحاسن وإن كان خالياً فاعدده جسماً بالياً وكذلك إذا سمعت ألفاظاً مستعملة وكلمات مستذلة فلا تعجل باستضعافها حتى ترى ما في أضعافها فكم من معنى عجيب في لفظ غير غريب والمعاني هي الأرواح والألفاظ هي الأشباح فإن حسنا فذلك الحظ الممدوح وإن قبح أحدهما فلا يكن الروح. قال: وتحفظ عن شيئين أحدهما أن يحملك إجلال القديم المذكور على العجلة باستحسان ما تستمع له والثاني أن يحملك أصغارك المعاصرة المشهود على التهاون بما أنشدت له. فإن ذلك جورٌ في الأحكام وظلم من الحكام حتى تمحص قولهما فحينئذٍ تحكم لهما أو عليهما وهذا باب في اغتلاقه استصعاب وفي صرف العامة وبعض الخاصة عنه أتعاب وقد وصف تعالى في كتابه الصادق تشبثت القلوب بسيرة القديم ونفارها من المحدث الجديد فقال حاكياً لقولهم إنا وجدنا آباءنا على أمةٍ وقال لن نعبد إلا ما وجدنا عليه آباءنا وقد قلت أنت:
أغري الناس بامتداح القديم ... وبذم الجديد غير ذميم
ليس إلا لأنهم جسدوا الح ... ي ورقوا على العظام الرميم