للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بعمران هذه الديار خصوصاً وقد حرقت في تلك الفتنة المشؤومة غابات وادي التيم ولا سيما حاصبيا وراشيا كما أحرقت أشجار جزين وإقليم الخروب من لبنان وجباع من جبل عامل وكان المنكوبون تحصنوا فيها فأشعلت فيها النيران ليهلك من لم يهلك بحد السيف والسنان.

كان وادي التيم من أهم مراكز الدعوة الدرزية ولا يزال إلى اليوم كذلك. وفوق حاصبيا على نصف ساعة منها خلوات البياضة وفيها مجمع هذه الطائفة الديني زرتها فرأيت فيها معبداً في الوسط مفروشاً على نحو ما تفرش الجوامع وبالقرب منه مساكن وقف البياضة ومنها ملك خاص لأربابها يحب أهلها الانقطاع إلى العبادة ومن المنقطعين لهذه الغابة في البياضة أناس من وادي التيم وآخرون من الجبل الأعلى في حلب وجبال صفد وجبال لبنان وجبل حوران كما أن منهم المتزوج ومنهم المجرد وهم على جانب من النسك والتقشف شأن سائر العباد في معظم الأمم على الغالب.

وموقع البياضة جميل يطل على كثير من قرى وادي التيم وترى منه قلعة الشقيف وغيرها من بلاد مرجعيون وجبل عامل والحولة فإذا أوقدت فيها النار شوهدت إلى مكان بعيد. ونحو نصف مكان وادي التيم دروز يحسنون الزراعة وهم على جانب من الأخلاق يتوفرون على أعاملهم ويحسنون عشرة جيرانهم شأن كل من يتعلم من أبناء هذه الطائفة ولا سيما في لبنان. ومن لنا برجالهم أن يهبوا لتعليم أولادهم كما هب أخوانهم المسيحيون من قبل فاستفادوا وأفادوا فإن في أبنائهم من الصفات الحسنة العربية ما لو توفروا على تنميته وتذكيته بالعلم الصحيح لجاء منهم شعب من أرقى الشعوب العثمانية بشجاعته ومضاءه وحسن أدبه وعزة نفسه وسماحته وذكائه وبعض من هذه الصفات مما يفخر به المفاخرون.

وليس في حاصبيا ما يستحق الذكر سوى معدن الحمر الذي كان السلطان المخلوع يستثمره لنفسه وظهرت منه فوائد مادية لأهل هذه الديار وهو اليوم مهمل لقلة اليد العاملة في هذه الديار لأن الناس هاجروا بالألوف منها فاضطرت الحكومة أن تهمل هذا المعدن كما أهملت معدن سحمر في البقاع أيضاً وغيره من المعادن في سورية لم تفكر في استثمارها وقد أضر إهمال الحمر بأرباب الكروم فتصاعدت أثمانه وهو يستعمل كل سنة لتزبيرها