يهاجرون كل يوم بالعشرات حتى كادت بعض الأقاليم تخلو من شبانها كلهم فما هذا البوق الذي نفخ في سورية من غربيها إلى شرقيها ومن شماليها إلى جنوبيها حتى أسمع الصم فكاد عدد المهاجرين من أبنائنا يربو على ثلث مليون من الشبان العاملين وظل البنات عوانس في بيوت آبائهن والنساء معطلات عن التناسل حتى نشأت من ذلك مفاسد في الأخلاق لا توازيها الأرباح مهما كثرت والأمجاد مهما استطالت وربت.
قلت اليد العملة بقلة الشبان في هذه الأقاليم حتى بقيت بعض الأراضي بائرة معطلة لقلة من يقوم على تعهدها وتعذر على أرباب الأملاك أن يجدوا عملة لأعمال الزراعة ولو أغلوا لهم الأجور. وأن أجرة البناء في وادي التيم لتبلغ الريالين ولا تجد بناء لا يعمل وأجرة العامل البسيط ثلاث أرباع الريال وقلما تحصل على القدر الذي تريده من أمثاله وأجرة فاعل الحراث مع الفدان ريال ونصف وقد لا تجده ولم يكتف الناس هنا ببوار أرضهم بل أن بعضهم في الحولة قلعوا بالألوف غراس التوت الجيد لأنهم لا يظفرون أيام مواسم الحرير بالقدر اللازم من اليد العاملة التي تقوم عليها وآثروا أن يزرعوا أراضيهم ما أمكن من القمح والشعير على غلات الحرير.
كل هذا يجري في البلاد والحكومة لا تفكر في طريقة ناجعة تدفع عنها عوادي الهجرة التي كادت تسلب منها الروح. وأن هذا القطر الشامي الذي لا يزيد نفوسه على ثلاثة ملايين ونصف ليعز عليه أن يفارقه نحو عشر سكانه الأقوياء ولا يأتيه من المهاجرين إلا الخاملون الذين قد تعطيهم الحكومة أرضاً فيبيعونها وسكة ومحراثاً فيتخلون عنها بثمن بخس وبذاراً فيأكلونه ثم تراهم يتسولون وبنيهم في شوارع البلاد مؤثرين الراحة مع الذل الشديد على العناء مع العز الأكيد.
وقد لاحظنا في سياحتنا أن كل قرية أو بلدة ليس فيها ولو بضعة من المسيحيين تكون إلى الخمول والخراب أكثر من القرى التي يكثر فيها أناس من غير المسلمين وذلك لأن جمهور المسلمين اتكلوا في الماضي على الحومة لتعلمهم وتربيهم فما استفادوا وهيهات أن يفلح قوم يعقدون رجاءهم بمن يكيفون المعارف بحسب أهوائهم ولكن المسيحيين نشطوا من عقالهم بعد حاثة الستين فتعلم أرثوذكسيهم في المدارس الروسية واليونانية وبابويهم في مدارس