أناخت الروم على دمياط في خمسة وثمانين مركباً فقتلوا خلقاً من المسلمين وأحرقوا ألفاً وأربعمائة منزل وسبوا من المسلمات ألفاً وثمانمائة وعشرين امرأة ومن نساء القبط ألف امرأة ومن اليهود مائة امرأة وأخذ السلاح الذي كان بدمياط والسقط وتهارب الناس فغرق في البحر نحو ألفين وأقاموا يومين وليلتين ثم انصرفوا. ومع هذا وجه طاغية الروم برسل وهدايا وكانت يسيرة فبعث إليه بأضعافها.
وترى من خلال السطور أن المؤرخ يكاد يصرح بسوء حالة المتوكل خصوصاً في سخطه على بعض عماله وتعذيبهم ومما قال فيه: وبنى المتوكل قصوراً وأنفق عليها أموالاً عظاماً منها الشاه والعروش والشبذار والبديع والغريب والبرج وأنفق على البرج ألف ألف وسبعمائة ألف دينار. قال وعزم المتوكل على المسير إلى دمشق ووصف له برد هواها وكان محروراً فكتب إلى محمد بن أحمد بن مدبر يأمره باتخاذ القصور وإعداد المنازل وكتب في إصلاح الطرق وإقامة المنازل والمرافد وسار من سر من رأى يوم الاثنين لعشر بقين من ذي القعدة سنة ٢٤٣ ونزل دمشق يوم الأربعاء لثمانٍ بقين من صفر سنة ٣٤٤ فنزل تلك القصور فأقام ثمانية وثلثين يوماً وبلغه عن بعض الموالي من الأتراك أمر كرهه فشخص عن دمشق إلى العراق ولم يسافر في ولايته غير هذه السفرة إلا في نزهة ولم ير في سفرته هذه شيئاً ولا نظر في مصلحة أحد وأصابت الشام كله زلازل حتى ذهبت اللاذقية وجبلة ومات عالم من الناس حتى خرج الناس إلى الصحراء وأسلموا منازلهم وما فيها واتصل ذلك شهوراً من سنة ٢٤٥ وانتقل المتوكل إلى موضع يقال له الماحوزة على ثلثة فراسخ من قصر سر من رأى وبنى هناك مدينة سماها الجعفرية وحفر فيها نهراً من القاطول ونقل الكتاب والدواوين والناس كافة إليها وبنى فيها قصراً لم يسمع بمثله وذلك في المحرم سنة ٢٤٦.
ومما رواه المؤلف في سيرة المأمون وحريته وعلمه أن بشر بن الوليد الكندي قاضيه ببغداد كان قد ضرب رجلاً قرف بأنه شتم أبا بكر وعمر وأضافه على جمل فلما تقدم المأمون (بغداد وكان متغيباً عنها في الشام) أحضر الفقهاء فقال إني قد نظرت في قضيتك يا بشر فوجدتك قد أخطأت بهذا خمس عشرة خطيئة ثم أقبل على الفقهاء فقال: أفيكم من وقف على هذا قالوا وما ذاك يا أمير المؤمنين فقال: يا بشر بما أقمت الحد على هذا الرجل قال: بشتم