الملك جعل يعتسف الحبشة ويقتلهم حتى إذا لم يبق إلا القليل جعلهم خولاً واتخذ منهم طوابير يسعون بين يديه بالخراب. وأنت تعلم أن ابن خلدون ولد سنة ٧٣٢ هـ (١٣٣١ م) وقضى نحبه سنة ٨٠٦ وقيل ٨٠٨ هـ (١٤٠٣ أو ١٤٠٥ م) فتكون طابور وجمعها طوابير قبل استعمال ابن خلدون لها وبعد انتشارها بين العرب وفشوها في المغرب.
إذاً: الطابور أفصح من التابور ولو كانت كلتا اللغتين دخيلة.
أيقال طيارة أم مطيرة
كثر الكلام في هذا العهد عن الآلة التي اخترعها الأجانب للتحليق في الجو المعروفة عند الفرنسيين باسم فسماها كتاب العرب طيارة إلا أن هذه اللفظة مشتقة من طار يطير اللازم فيكون معناها: هذه الهنة التي يتخذها الصبيان من الورق فيطلقونها في الهواء فترتفع فيه من ذاتها. وأما الآلة التي يتخذها الإنسان ليحلق بها صعداً فإنما تتخذ لتطير الإنسان وترفعه في الجو فهي مطيرة لا طائرة وبالأصل لأن راكبها هو الذي يسيرها بيديه. فالأصح فيها أن يقال مطيرة أي الآلة المطيرة لا طيارة لا سيما أن هذه اللفظة مخصوصة بالهنة المذكورة المشهورة.
نعم قد يجوز أن يقال أنها طائرة أو طيارة لارتفاعها في الهواء ونسبة الفعل إليها كنسبه إلى صاحبها. لأنه إذا أطارها ولم تطر لم يفد عمله فتيلاً. وعليه فكلاهما طائران في الهواء إلا أن التحقيق أحب إلى اللغوي من إلقاء الكلام على عواهنه بدون تبصر وتدبر. ومن ثم فعندنا أن القول بأن المطيرة أصح من الطيارة في هذا المعنى هو أرجح ووجهه أبين. واستعمال الكتاب لها ينفي كل معنى ثان ويمنع الفكر من أن يتصور المعنى الأول المعقود بناصية الطيارة.
أيقال وسط أم محيط أم حال أم بيئة أم مربى أم منشأ
للإفرنج لفظة ومعناها حرفياً الوسط أو المحيط ويريدون بها مجازاً: المواطن الذي يوافق عيشة الإنسان الأدبية أو العلمية أو العمرانية. فقال كاتب يقابلها في العربية الوطن والإقليم وليس الأمر كذلك فالوطن والإقليم أو فقد يكون كل منهما وسطاً للإنسان إلا أن معنى الوسط أعم كما يظهر لأدنى تدبر. ثم عدل عن رأيه هذا وقال هي الحال وهذا أيضاً خطأ. فالحال يقابله عند الإفرنج ' أما البيئة فأفصح من الوطن والإقليم والحال إذا أردنا بها