تيمورلنك سنة ٨٠٣ وأجرى في حلب ما أجراه في دمشق من الفظائع والنهب والقتل والسبي وفي سنة ٨٦٣ وقع الطاعون بحلب فاحصي من مات بها وبضواحيها فأربى على مائتي ألف إنسان وكادت تخرب بالفتن الأهلية سنة ٨٩٦ عن آخرها كتب ابن بطلان إلى هلال بن المحسن الصحابي في نحو سنة ٤٤٠ هـ في دولة بني مرداس حلب فقال أنها بلد سور بحجر ابيض وفيه ستة أبواب وفي جانب السور قلة في أعلاها مسجد وكنيستان وفي البلد جامع وست بيع وبيمارستان صغير والفقهاء يفتون على مذهب الأمامية وشرب أهل البلد من صهاريج مملوءة بماء المطر وعلى بابه نهر يعرف بقويق يمد في الشتاء وينضب في الصيف وفي الوسط دار علوه صاحبه البحتري وهو بلد قليل الفواكه والبقول والنبيذ ومن عجائب حلب إن في قيسارية البز عشرين دكانا للوكلاء يبيعون فيها كل يوم متاعا قدره عشرون ألف دينار مستمر ذلك منذ عشرين سنة والى الآن وما في حلب موضع خراب أصلا.
قلنا وقد اشتهرت حلب في عامة أدوارها بإتباع تجارتها لوقوعها في طريق القوافل وتوسطها من بلاد الروم والجزيرة والعراق والشام ولذلك لم تنحط صناعة البز الو الأقمشة حتى في أيامنا هذه كما انحطت في معظم بلدان الشام لأن لها من بلاد الروم مصارف تنفق فيها سلعا ويعتقد أهل الروم الخير في تجار الشهباء فلا يعاملون غيرهم للألف والعادة وذكر المقدسي إن من التجارات التي كانت تجمل من حلب القطن والثياب والاشنان والمغرة.
قال ياقوت ولأهل حلب عناية بإصلاح أنفسهم وتثمير الأموال فقلما ترى من ناشئتها من لم يتقبل أخلاق إبائه في مثل ذلك فلذلك كان فيها بيوتات قديمة معروفة بالثروة ويتوارثونها ويحافظون علي قديمهم بخلاف سائر البلدان هذا ما وصف به الحلبيون منذ نحو سبعة قرون وهي أخلاق لم تبرح متسلسلة في أعقابهم إلى يوم الناس هذا ولذلك صح إن يقال أن الحلبيين أغنى من الدمشقيين والبيروتيين والحمويين والحمصيين والطرابلسيين والنابلسيين والمقدسيين والعكاريين واليافاويين والحيفاويين.
وصف ابن حوقل مدينة حلب في القرن الرابع فقال إنها مدينة جند قنسرين وكانت عامرة جدا غاصة بأهلها كثيرة الخيرات كان لها سور من حجارة لم يغن عنهم من العدو شيئا فخرب الروم جامعها وسبي ذراري أهلها واحرقها وكان بها قلعة غير طائلة ولا حسنة