للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

في الدور كما هي في دور الفيحاء المشهورة بقاعاتها وأحواضها فهواء حلب جاف معتدل للغاية ولولا بناء منازلها بالحجر لضاقت أنفاس سكانها أيام القيظ وقد تبلغ درجة الحرارة الأربعين أو أكثر بالميزان المئوي وقد نزلت الحرارة في الشتاء الماضي إلى تحت الصفر بخمس وعشرين درجة.

ومع ذلك نجد لأهل حلب رجالا ونساء من صحة الأجسام ونضرة الوجوه مالا تكاد تجد مثله في معظم البلاد الداخلية من سورية. قال المهلبي وأما أهل حلب فهم أحسن الناس وجوها وأجساما والأغلب على ألوانهم الدرية والحمرة والسمرة وعيونهم سود وشهل. قلنا إما البياض الناصع فهو كثير للغاية ويزيده رونقا في بعض النساء تلك الحبة التي تخرج على الأغلب في الوجوه وتترك أثرا في الخدود بحجم الريال يزيدها رونقاً وحسناً.

وهذه الحبة يقال لها في هذه البلاد حبة حلب وهناك يقال لها حبة السنة وليست في الحقيقة خاصة بأهل حلب بل يشترك فيها سكان الشرق حتى بلاد فارس واختلف العلماء في تعليلها فقال قوم إنها تخرج بخاصية في ماء حلب ولو صحت هذه النظرية لكان أهل عينتاب وروم قلعة (قلعة الروم) وبيرة جك (البيرة) واروفة (الرها) وخربوت ودباربكم والموصل ودير الزور وبغداد ناجين منها والحال أنها تصيبهم كما تصيب الحلبيين حذو القذة بالقذة. وقال قوم أنها منبعثة من الماء ولو كان الأمر كذلك لاقتضى من ذلك أن تطلع في سكان القرى البعيدة ساعتين عن حلب على انك لا ترى لها فيهم أثراً.

وأغلب الأطباء على أنها من الإمراض السارية ودليلهم على ذلك أن إبراهيم باشا المصري لما قدم حلب كان في حملته رجل من قرية بشلمون في لبنان فأصيب بالقرحة المذكورة وقيل أن بئرا منها عاد إلى بلاده فعدى بها أهل قريته ويقال أنها لا تزال إلى اليوم موجودة ويقال لها الحبة الشامونية.

والحقيقة أن أمر هذه القرحة لم يبرح سرا غامضا على الأطباء ومرضا جلديا يصاب به الأطفال في الطفولة وبعض الغرباء الذين ينزلون حلب في الكبر ويقيمون فيها سنة وقد ينجون منها وإعراضها عبارة عن بثور تظهر في طرف من أطراف الجسم ويكون في الوجه أو اليد أو الرجل غالبا حتى إذا شفيت بدون أن ينشا عنها وجع تترك اثأرا ونوبا بيضاء ويصاب بها الغرباء والوطنيون على السواء كما يصاب بها الكلاب والقطط وكثيرا