وأين الآباء والأجداد. أين المعروف الذي يشكر. والظلم الذي لم ينكر:
في الذاهبين الأولين ... من القرون لنا بصائر
لما رأيت موارداً ... للموت ليس لها مصادر
ورأيت قومي نحوها ... تمضي الأكابر والأصاغر
لا يرجع الماضي ولا ... يبقى من الباقين غابر
أيقنت أني لامحا ... لة حيث صار القوم صائر
وسوف يرى القارئُ ما بين الكلام المتقدم وحل المعري وعقده في ملقى السبيل من مطابقة المعنى ومشابهة اللهجة.
أما النسخة التي اعتمدنا عليها في النقل فهي محفوظة بمكتبة الأسكوريال من بلاد الأندلس تحت نمرة ٤٦٧ وهي بخط الراوي لها القاضي الإمام الشريف أبي محمد عبد الله ابن القاضي أبي الفضل عبد الرحمن بن يحيى الديباجي العثماني رسمها بالإسكندرية أوائل القرن السادس وقد اعتنى برسمها وضبط جملها بطريقة ثابتة مدققة وهي فيما اعتقده أقدم نسخة لملقى السبيل ولا يبعد أن تكون هي التي عول عليها أدباء الأندلس في معارضتهم لها فقد جاء في نفح الطيب أن الحافظ أبا الربيع الكلاعي الأندلسي المتوفى بالجهاد سنة ٦٣٤ هـ. عارض هذه الرسالة بتأليف سماه مفاوضة القلب العليل ومنابذة الأمل الطويل بطريقة المعري في ملقى السبيل. كما تحتوي مكتبة الأسكوريال نفسها عَلَى كتب (نمرة ٥١٩) من وضع الكاتب الشهير أبي عبد الله محمد بن أبي الخصال وزير يوسف بن تاشفين سلطان المرابطين عارض به ملقى السبيل أيضاً. ومن جهة أخرى يوجد بمقدمة النسخة التي لدينا وهي كما قدمنا صورة فوتوغرافية من الأصل الأندلسي كثير من الإجازات تنبئ بقراءَة هذه الرسالة عَلَى أساتذة متضلعين تلتحق رواياتهم بالراسم الأول نعني عبد الله الديباجي. وأقد توقيع من هذا النمط مؤرخ سنة ٥٦٢ وهو مما يستدل به أيضاً عَلَى اهتمام الأندلسيين بتآليف المعري.
وعسى أن ننشر فيما بعد رسائل أخرى من وضع هذا الفيلسوف الشاعر والله ولي التوفيق.