يدعوا إلى السلم فتصبح الضغائن والأحقاد نسياً منسياً.
اختلفت قبيلتان من قبائل العرب عَلَى بئر من الآبار حتى ذكت بينهما نار الحرب فلم يكن إلا أن وقف شاعر أحدهما وقال:
كلا أخو بنا أن يرع يدع قومه ... ذوي جامل دثر وجيش عرمرم
فما الرشد في أن تشتروا بنعيمكم ... بئيساً ولا أن تشربوا الماء بالدم
هنالك ردت النفوس إلى أغمادها والسهام إلى كنائنها وأصبح القوم صديقاً متحابين بعد أن كانوا عدواً متباغضين.
كان لعمرو بن عدي كرب الزبيدي أخت يقال لها كبشة وكانت متزوجة في بني مازن وكان لهما أخ يقال له عبد الله فزار عبد الله أخته ذات يوم فبينما هو جالس مع بني مازن يشاربهم الخمر وثبوا عليه فقتلوه ثم أفاقوا من سكرهم فاستشعروا الندم وذهبوا إلى عمرو بالدية معتذرين فعفا عمرو وقال: إحدى يدي أصابتني ولم ترد.
فلما بلغ الخبر كبشة صبرت إلى يوم عيد من أعيادهم ثم خرجت وقد شقت ثيابها ولطختها بالدم وهي تقول:
أرسل عبد الله إذ حان يومه ... إلى قومه لا تعقلوا لهم دمي
ولا تقبلوا منهم أنالاً وأبكراً ... وارتك في بيت بصعدة مظلم
ودع عنك عمرواً إن عمر مسالم ... وهل بطن عمرو غير شبر لمطعم
فلما سمع عمرو الأبيات ثارت في رأسه الحمية فغزا بني مازن وقتل منهم خلقاً كثيراً.
ولقد كان للشعر عند اليونان إله معروف هو أبولون وأما العرب فقد كان للشعر عندهم شياطين لا تحصى وكان لكل شاعر منهم شيطان عَلَى الأقل وربما كان له أكثر من ذلك ولم تذهب هذه الخرافة بظهور الإسلام بل بقيت بعده وأيدها علماء المسلمين في القرن الرابع للهجرة وقد حدث صاحب الأغاني في كتابه أن بشر بن مروان كان يحب الإفساد بين الشعراء فلما ولي العراق أمر سراقة البارقي أن يهجو جريراً ويفضل عليه الفرزدق فقال أبياتاً منها:
إن الفرزدق برزت أحسابه ... عفواً وغودر في الغبار جرير
فأمر بشر أن تكتب هذه البيات إلى جرير وأن يؤخذ بالإجابة عليها فلما وصلت الأبيات