للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تاماً فلم يات عليه خمس وعشرون سنة إلا وقد أَلان من القوم قلوباً قاسية وصفى طباعاً جافية وأَرق كباداً غليظة وهذا ألفاظاً فجة ونقل الأمة من البداوة إلى الحضارة ومكن لا في الأرض وهيأها للفتح والتغلب عَلَى الجملة أنشأ من العرب خلقاً جديداً.

هنالك خضعت اللغة لمؤثرين كبيرين أحدهما الإسلام والثاني الفتح.

فأما الإسلام فقد صنع بالقوم ما عرفتم فحسنت لغتهم ورقت ألفاظهم وظهرت عليها بشاشة الدين وطهارة النفوس.

وأما الفتح فقد استأثر عواطف القوم بعد كمونها وأطلق ألسنتهم بالخطب الرائعة والشعر الجميل نصراً للحق وزوداً عنه.

مذهبٌ باطل

وهنا يجب علي أيها السادة أن أبطل مذهباً اجمع عليه كافة المؤلفين في آداب اللغة من المحدثين يتبعون فيه رأي المؤرخ ابن خلدون رحمه الله.

زعموا أن الآداب العربية ولاسيما الشعر قد وقفت أيام النبي والخلفاء الراشدين لأن العرب قد شغلوا عنها بالدين والفتح وتأسيس الملك فلما استقر الأمر لبني أمية نهضت الآداب من كبوتها واستيقظت من غفوتها إلى آخر ما يقولون.

خطأ جداً هذا المذهب أيها السادة لأنه لا يستند عَلَى حجة ولا يعتمد عَلَى دليل.

نعم إنهم لم يجدوا عَلَى ذلكم برهاناً إلا شيئين اثنين الأول أن لبيد بن ربيعو وهو من فحول الشعراء المخضرمين قد ترك الشعر في الإسلام اعتداداً بالقرآن واحتفالاً به وقد بعث عمر بن الخطاب إلى عامله عَلَى الكوفة استنشد من قبلك من الشعراء وابعث إلي بشعرهم فدعا العامل لبيداً وأبا النجم وأبلغهما أمر عمر فأما أبو النجم فقال

أرجزاً تريد أم قصيدة ... طلبت شيئاً عندنا موجودا

وأما لبيد فقد رجع إلى بيته ثم غدا عَلَى الأمير بلوح قد كتب فيه سورة البقرة وقال هذا شعري.

الثاني أن محمد بن سلام وهو من علماء القرن الثالث للهجرة قال في كتابه طبقات الشعراء أن العرب في صدر الإسلام قد شغلوا بتأسيس الملك عن قول الشعر وروايته.

والحقيقة أيها السادة أن ترك لبيد للشعر لا ينهض حجة عَلَى العرب كافة قد تركوه أو