لمدارس لا تزيد عَلَى تلقن الطلاب شيئاً من قواعد النحو والصرف والبلاغة وليس ذلك بمغن عنا شيئاً وإنما السبيل والواضحة إلى ما نريد هي تمرين الطلبة عَلَى الإصابة في القول والإعراب في النطق مع درسهم مادة اللغة وأساليبها واستظهارهم الكثير الجيد من آداب القدماء وقد سلكت مدرسة القضاء شيئاً من هذا في أول أمرها فحظرت عَلَى الطلاب أن يتكلموا فيها إلا باللغة الفصحى وقال الأستاذ الجليل عاطف بك بركات فيما كتبه عن المدرسة في سنتها الأولى أنها إذا استمرت عَلَى السير في هذه الطريقة لم تلبث أن تصير قطعة من الحجاز في صدر الإسلام ولكن يظهر أنها قد أخطأت الطريق وجرت مع غيرها من المدارس في مضمار واحد.
نهضة اللغة في العصر الجديد
الصحف
ولقد نخطئ خطأ كبيراً إذا جحدنا فضل الصحف عَلَى اللغة فقد جاهدت في ترقية اللغة وإصلاحها بما تخيرت من شريف الألفاظ والأساليب عَلَى انها لم تلبث أن التجأت كارهة إلى إدخال كثير من الأعجمي فيها وكثيراً ما تتعلق بالسجع وتتمسك بأهداب البديع حتى صار كثير مما ينشر فيها نوعاً من الأوابد والألغاز عَلَى أن المجيدين من كتابها قليلون.
الصحف الرسمية
يسوءني أيها السادة أن اقرأ في صدر الجريدة الرسمية الأمر العالي يختم باسم مليك مصر وارى في المجموعة الرسمية حكم القاضي مصدراً بهذا الاسم الكريم ثم أنظر في ألفاظهما فلا أرى من الفرق بينها وبين ألفاظ العامة إلا قليلاً ويسوءني أيضاً أن اقرأ في الصحف الرسمية رسائل الحكومة وقراراتها ثم أقران بينها وبين ما كان يصدر عن الحكومية العباسية والأموية من رسائل الصابئ وعبد الحميد فأرى الفرق بينهما كالبعد بين الأرض والسماء ولئن حق الاعتذار عن الحكومة في الأيام الماضية فإني لا أجد ما اعتذر به عنها الآن فقد أصلح الأستاذ الإمام رحمه الله جريدتها الرسمية وحلاها بمثير من الفصول النافعة ولكنه لم يكد يتركها حتى اقتطع نصفها وعادت إلى ما كانت عليه فيه من سوء اللهجة وفساد العبارة.