سبقني لها المصلحون الأولى نشر الآثار القديمة للعرب وإحياء ما ألفوه من كتب العلوم والآداب ليقراها الناس فيحصلوا عَلَى نتيجتين لازمتين إحداهما معرفة الأساليب العربية الصحيحة واستظهار الألفاظ المتخيرة والوقوف عَلَى مبلغ ما كان للقوم من سعة المدارك والعقول - الثانية شعور القراء بفخامة ذلكم المجد الضائع والشرف المفقود شعوراً يدفعهم إلى النهوض لاسترداده وإعادة ما كان له من منزلة سياسية ومكان رفيع ويلحق بهذه الطريقة ترجمة الكتب النافعة مما ألفه الفرنج لنتسع بها العقول وترقى النفوس وقد جرى الأستاذ الإمام رضي الله عنه في هذه الطريق شأواً بعيداً فألف جماعة إحياء الكتب العربية التي نشرت المخصص وغيره من الكتب فلم يمت رحمه الله حتى نقض عقدها ولم يبق لها أَثر في الوجود وقد قرأت للحكومة في السنة الماضية قراراً في هذا الموضوع بفضل أستاذي الجليل أحمد زكي باشا وكن مضى عليه العام ولم تظهر له نتيجة أو أني لأخشى أن يكون قد لحق بأمس الدابر - الثانية تأليف جماعة من أُولي العلم باللغة والبصر بمادتها وأساليبها تقوم بما يحتاج إليه هذا العصر من تنمية المحدثات عَلَى إحدى الطرق التي أرت إليها آنفاً وهي الاشتقاق والمجاز والتعريب وتعمل عَلَى استبدال كثير من الألفاظ العامية بمرادفاتها من اللغة الفصحى وتشرف عَلَى أساليب الكتابة والشعر والخطابة فتذود عنها ما يدخله عليها الواغلون من أدعياء الشعراء والكتاب وإنما احتجنا إلى هذه الجماعة الآن لما تعلمون من أن اللغة الفصحى قد أصبحت الآن صناعية فلن تبلغ مكانتها الأولى إلا إذا وجدت لها من أهل السلم أطباء حاذقين يحسنون الطب لدائها والتلمس لدوائها وقد وجدت منذ سنين لسيء من هذا العرض في نادي المعلمين فاستبشرنا ورجونا الخير فاستقبلتها الصحف بالحمد والإغراق في الثناء ولكنها لم تلبث أن غطت في نوم عميق وأملها الآن تحلم بحسن الظفر وتحقيق الآمال.
الثالثة تعويد الأطفال من أول عهدهم الإصابة وتخير الجيد من القول عَلَى الطريقة الممكنة حتى يشبوا وقد قويت السليقة العربية قلم يحتاجوا إلى القواعد إلا من حيث أنها نوع من الفلسفة اللغوية كما هو عملها الحقيقي ولست أرى لأكفأ لهذا العمل ولا أقدر عليه من الأستاذ أحمد أفندي القطان في بستانها الصغير الذي خطبكم فيه منذ أيام فإذا استطاع هذا الأستاذ أن يعدني بأنه سينشئ اللغة الفصحى في هذا البستان كما ينشئ الخلاق والعقول فقد