للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

عضد قوي يساعدها عَلَى الثبات أمام جيرانها الأقوياء. هناك لا تثبت إلا الأمم الكبرى، ومن الأمم الصغرى من تستطيع تاسيس دولة مستقلة بطرد أو محو سائر العناصر الأجنبية التي تعيش بينها.

وقد لا يمضي القرن العشرون قبل أن يشاهد ختام هذا المشهد التاريخي. بل سترى أوروبا منذ الآن إلى ذلك اليوم العصيب شروراً كثيرة ودماءً مهدورة ومظالم عديدة وقساوة بربرية فستمحى شعوب وتمحى أقوام بدون رحمة ولا شفقة. وتبدوا أمام هذا التسفل البشري مظاهر شجاعة عالية: هنا شراذم أنذال يخضعون أدبياً بدون مقاومة وهناك أبطال يشربون كاس الردى ممزوجة بالعز والشرف. وبعد كل ذلك تتمتع الأمم الباقية بحقوقها الوطنية لا يرون فيها غير أنفسهم. إنها لنظرات مرعبة تتراءى لنا لكنها قلما تخيف من استعد لتحمل قساوة ناموس الحياة العام: الحياة جهاد وقوة الحياة تكسب الحق فيها. وهذا الناموس سار عَلَى الشموس في الأفلاك كما هو سار عَلَى المكروبات في مياه المستنقعات وهو جار أيضاً عَلَى الشعوب يدير مقاديرها إدارة لا تقوى عَلَى تغييرها شريعة غاشة ولا سياسة قادرة ولا مصلحة ملكية ولا خبث أنذال ولا تلاعب لؤماء.

ولقد تدمع عين ذي العاطفة حينما يرى شعباً يجود بنفسه. أما ذو العقل فيعترف بأن هذا الشعب هلك لأنه لم يكن ذا قوة تكفيه للحياة ثم يضع هذا الشعب بين الأشكال البيولوجية (الحيوية) المغلوبة عَلَى أمرها والتي مر عليها نشوء الكون.