بدون أن يؤدي هذا الانقطاع إلى بحران عظيم قد يودي بصاحبه إلى الفناء إذا دام على أشده.
وإن حياة الصناع لتستدعي نشاطاً أكثر وحركة دائمة وإذا حدث في الأحيان أن فترت الصناعة موقتاً في بلاد فإن بلاداً غيرها تتطلب نزول أهلها فيها. ومن اعتاد أن يستخدم قواه الطبيعية مدفوعاً بعامل العقل والذكاء يجد له بسطة في الرزق حيث حل من أرض الله. قال أحد عقلاء الأقدمين ليس للقدر سبيل إلي فيسلبني مالي لأني حيثما رمت بي تصاريفه لا أخاف الفاقة ولا اضطر إلى سداد من عوز إذ أحمل ثروتي كلها معي وهو كلام يصدق على العالم كما يصدق على العامل كل الصدق. لأن العامل لا يعدم من يحتاج إليه في أي ناحية رمته فيها يد الأقدار وكيفما قلبته صروف الدهر فعيشه أكثر ضماناً من عيش العالم مادام له من عمله مهارة، ومن جسمه قوة، وما عليه أن يتعلم لغة قوم ينزل عليهم لأن عمل يديه ينوب في خطاب من يود خطابه.
وللعامل من الاستقلال ما يفوق به سائر طبقات الناس وإن لم يتأتَ لامرئ في العالم أن يستمتع بالاستقلال المطلق. وذلك لأن العامل في غنى عن التزلف والملق لا يحتاج إلى من يمد إليه يد المعونة إذ قلما يحاذر أن يكون له ممن يجاريه ما يحرمه التمتع بعمالته فإن من يعمل له محتاج للعامل الذي يفوق غيره في أمانته ومهارته. فكما أن العامل يحتاج لمن يعمل له فهذا محتاج للعامل أيضاً والحاجة بينهما متبادلة فليس في ذلك غضاضة على العملة البتة.