وأما برشلونة وأشبيلية فكانتا من أكبر الموانئ الإسبانية وكانت الأولى ترسل سفنها للمغرب وآسيا الصغرى ورودس والقسطنطينية وعقدت في مصر معاهدات شتى مع بيزا وجنوة الإيطاليتين في مسائل الحوالات وسائر أعمال المصارف. وأما أشبيلية فكانت تبعث أساطيلها وعماراتها للأوقيانوس الأطلانطيكي لمداهمة الجزائر البريطانية وبلاد القاع (هولاندة).
وإن تعجب فأعجب للعرب كيف نبغ بينهم لأسفارهم المترامية أساتذة جغرافيون شذبوا بأقل وقت كتاب بطليموس واكتشفوا بلاداً أخرى بغير أقدامهم لم توطأ ووسعوا المصورات التقويمية للغربيين وأشربوهم ذوق التنقل وحب الترحال نخص بالذكر منهم المسعودي وابن حوقل وابن بطوطة والإصطخري ونرفع بين مشاهير الرواد راية سليمان وأبي زيد حسان اللذان عاشا للقرن التاسع ولقبا بالمحمديين وجاب أولهما شبه جزيرة مالقا واكتشف سلسلة الجبال المسماة باسمه لليوم وسبر طول نهر السند واطلع ثانيهما عَلَى أحوال ماليزيا والتبت وأقطار المحيط الهندي الأفريقية. وكم وكم عادت الحروب الصليبية عَلَى الغرب بخيرات لا تستقصى ولو لم يكن منها غير تحطيم قيود التعصبي الكنيسي لكفى. وذلك لما رآه الصليبيون من تسامح المسلمين وتساهل مشاهير أمرائهم مثل صلاح الدين الأيوبي والملك العادل اللذين لقي منهم أهل الصليب كل شرف ولطف وتفضل وبضدها تتميز الأشياء ولذلك يمكننا أن نقول أن الكنيسة ورؤساءها كبطرس الراهب الذين أرادوا تقويتها ورفعة شأنها لم يسعوا لحتفهم إلا بظلفهم لأن تلك الحروب لم تجدهم إلا شراً.
وإذا تألم الوجدان من تصالح الغرب مع الشرق وانقطاع ينابيع الدماء لذلك فقد اكتسبت هاتان الأمتان من الفوائد المادية والأخلاقية التي أذاقتهم طعم السعادة ما نساهم أيام الشقاء. وهكذا ترى البحارة انتشرت بعد الحروب الصليبية أكثر من انتشارهم أيام الممالك الرومانية فتعودت أوربا من العرب عادات الفضيلة والمدنية وكل ما يهون الحياة ويحليها للأنفس وابتدأ الغربيون يطوفون اقتباساً عن العرب مختلف أنواع النبات والحيوان واخذوا يصنعون الأقمشة القطنية والحريرية وسكر القصب والألكحول وقلدوا العرب في أزيائهم وعمل الأسلحة العربية ثم توطد الأمن واتحدت العلائق والإسلاميون وذاق الصليبيون لذة الأسفار بعد حروبهم حتى صار الآسيويون من الرأس الأصفر لا يخشون من رحيلهم إلى