نختم مبحثنا هذا بوصف منارة الإسكندرية إحدى عجائب العالم السبع قال:
أما أنا فأخبرني مخبر الإسكندرية أن داخل سورها أربعة آلاف مسجد وقل آخر ستة آلاف وإن خارجها ألف مسجد وكان ذلك غذ دخلتها سنة إحدى وستين وخمسمائة وهي أصغر مما كانت أولاً إذ بناها الإسكندر بأضعاف كثيرة رأيت بخارجها عَلَى نحو ميلٍ منها باباً عظيماً أعني بناء باب قد تهدم ما حوله وبقي عَلَى قارعة الطريق بقبلتها يقال من ذلك المكان كانت المدينة أولاً وأما منارتها فبينها وبين المدينة نحو ميلٍ أيضاً أو أكثر بجنوبيها وهي في جزيرة صغيرة في الماء وقد بني منها إلى البر رصيف في الماء طوله ستمائة ذراع أو زيد وعرضه عشرون ذراع وارتفاعه فوق الماء ثلاثة أذرع فإذا هاج البحر غطى الماء ذلك الممشى ولكنه بحر لين بسبب الجزيرة والأحجار التي حول ذلك الموضع فيمشي الماشي عليه في الماء إلى الكعبين أو نحو ذلك فإذا انحسر الماء مشي في اليبس والمنارة في آخر الجزيرة وهي مربعة كل وجه خمسة وأربعونباعاً والبحر يكثر في الممشى الذي حول البناء من جهة الشرق والجنوب بينه وبين الجدار اثنا عشر ذراعاً وارتفاعه من الماء إلى الهواء ذلك المقدار إلا أنه من جهة البحر أوسع أعني أول البناء الذي عَلَى الحجارة تحت الماء كأنه جبل ثم كلما طلع ضاق حتى يرتفع عن وجه الأرض ويبقى بينه وبين جدار المنارة القدر المذكور أولاً وقد أحكم إلصاقه وبناؤه وأفرغ بالرصاص في أقفال من حديد تمسك ذلك الكدان المنحوت الذي كل كدانة منه أطول من لوح البناء وأغلظ من عرضه وهذا البناء الذي أصفه محدث لأنه كان قد انهد ذلك الجانب فبني أحسن من البناء القديم وفي الحائط الذي يلي البحر من جهة الجنوب كتابة بالخط القديم لا أدري ما هو وليست كتابة بقلم إنما هي صور وأشكال من حجارة صلبة طوال سود قد أدخلت في الكدانوقد أكل البحر وهواءه الكدان فبرزت الحروف لصلابتها طول الأنف منها فوق الذراع ورأس الميم قد خرجت من البناء كدور فم البرمة الكبيرة وهكذا أكثر تلك الحروف عَلَى هذا الشكل وباب المنارة مرتفع عن الأرض قد بني له ممشى طوله نحو مائة باع وتحت الممشى قبة قسي شبه القنطرة يدخل الفارس تحت القوس منها ولو رفع يده ما أدرك السمك في الكبار منها وعددها ستة عشر قوساً أولها قصير ثم كلما مضى ارتفع حتى يتصل آخرها بالباب وهو أرفعا سمكاً ودخلنا عَلَى الباب فمشينا نحو أربعين باعاً فوجدنا