للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أما في الجغرافية فقد وصف فيه بلاد السودان والزنج والبربر وغيرهم في أواسط أفريقية ما لم يطلع عليه علماء الجغرافية إلا في العهد الأخير وقد وصف من أمم جزائر البحر المحيط الهندي وما والاه من الأمم وأورد من أسمائهم ما لا يعرف الآن ولعله قد حرف بالطبع لأن طبع هذا الكتاب يغلب عليه التحريف في الأكثر أما في أوربا فقد ألم إلماماً خفيفاً ببعض مدن جنوبها أما شمالها فقد اكتفى عَلَى عادة أكثر جغرافيي العرب بان قال بأنه يسكنها أقوام من الإفرنج أما أميركا فلم تكن قد كشفت في عهده ولكن أجاد في الكلام عَلَى بحر الظلمات والأقيانوس الأطلانطيكي وما فيه من الجزر وعلى سواحله من المدن وبالجملة فإن الكتاب نافع يدل عَلَى ارتقاء ذاك القرن وفيه صور ولكن لا كالتي أشار إليها في مقدمته من الأصباغ الملونة والتفريق بين المدن والأصقاع بألوان متباينة ولكن ما فيه من الصور يدل عَلَى تفنن وإن قومنا العرب كانوا في أيام حضارتهم أشبه بحال الغربيين اليوم يميلون إلى تصوير المواد العلمية وإن كان الأوربيون مبالغين في ذلك حتى يكادون لا يصدرون كتاباً بدون صور.

وهاك الآن نموذجات ننقلها من الكتاب دلالة عَلَى فضل مؤلفه خلافاً لمن رماه بأنه يخلط في تأليفه فما منا إلا من رد ورد عليه وكفى المرء نبلاً أن تعد معايبه.

قاتل شيخ الربوة في ذكر توليد الجبال والهضاب والرمال والكلام عَلَى كيفية تكوين ذلك وعلته وسببه: قال العلماء بذلك أن الجبال الصغار والتلال قد تكون من الزلازل الكائنة من الرياح المحقونة في الأرض المتموجة تحتها حيث ترفع بعضاً وتخفض بعضاً ومن صحة ذلك أنه في سنة ثلاث وعشرين وسبعمائة كان المطر في الشام قليلاً وقصرت ينابيع العيون أرسل الله عز وجل زلزلة في أيام الصيف فخرجت العيون وزادت الأنهار زيادة بقدر ما كانت ثلاث مرار وأربع مرار وهذا صحيح وقد يكون باستيلاء الرياح العاصفة عَلَى بعض أجزاء الأرض بالكشف والحفر إلى أن يصير ما غلبت عليه صوراً ومن صحة ذلك أنه في سنة تشع عشرة وسبعمائة كان الجبل الأقرع شجر زيتون كثير نيف عَلَى ثلاثمائة فحمله الريح إلى أرض بعيدة بترابه وكأنه لم يكن مخلوقاً إلا من تلك الأرض وكأنه لم يكن عَلَى الجبل شجر مزروع قط وفي تلك السنة أيضاً حملت الريح ديراً قال له دير سمعان قريب من تلك الأرض بحجارته ورهبانه وما كان في الدير من قمحهم وخزينهم