للكاتب أن يتعلق بكل علم حتى قيل كل ذي علم يسوغ له أن ينسب نفسه إليه فيقال فلان النحوي وفلان الفقيه وفلان المتكلم ولا يسوغ له أن ينسب نفسه إلى الكتابة فيقول فلان الكاتب وذلك لما يفتقر إليه من الخواص في كل فن اهـ.
وهذا التحكم البارد في الحط ممن أخصوا في بعض الفنون التي يجهلها أكثر المتعلمين ولا يعدونها علماً في نظرهم يخرج كثير من الأئمة في عداد العلماء ممن لم تكن الكتابة إلا من جملة ما يعملون أمثال الجاحظ فإنه بحسب عرفهم كاتب فقط لأنه مجيد في الإنشاء للغاية وكذلك القاضي الفاضل ابن خلدون وابن فضل الله وأبو الفدا وغيرهم من مشاهير العلماء الذين كانوا أئمة في الإنشاء هذا لأن أولئك الأعلام لم يؤلفوا أم لم يريدوا أن يؤلفوا في الفقه والأصول والكلام والحديث عَلَى حين ورد في الكتاب العزيز يعمله علماء بني إسرائيل فأطلق الله عليهم لفظ علماء وجاء فيه والذين أوتوا العلم درجات قال الراغب أن هذا تنبيه منه تعالى عَلَى تفاوت منازل العلوم وتفاوت أربابها.
ولقد شاهدنا ما يضحك من تحكم بعض أرباب الصحف السيارة في الألقاب العلمية حتى آل الأمر ببعض الفضلاء أن يستنكفوا في ذكر أسمائهم بين أناس لا يلحقون غبارهم بحال لأن محرر كل صحيفة يعطي من الألقاب لمن يستحي العاقل من إطلاقه عَلَى أفضل أهل العصر ويمنع ذلك عن المستحق يريد بذلك إسقاطه حتى قال بعضهم من العلامة أن لا تكون للمرء علامة فما دامت لفظة علامة تطلق عَلَى المغفلين من الطلبة فأجدر بمن يستحقون هذه اللفظة أن يزهدوا فيها وهكذا لفظ الأستاذ والمعلم والفاضل وهذه اللفظة اليوم تطلق عَلَى تسعة أعشار من يقرأون ويكتبون.
وبعد فإن سلسلة الارتقاء وسلسلة الانحطاط نمط واحد يتبع بعضها بعضاً في كل أمة والتغالي في الألقاب من جملة تعلق الأمة بل من يطلق عليهم الخاصة منها القشور دون اللباب. وما أجدر أرباب الصحف والمجلات أن يتخلوا عن هذه الألقاب التي لا ميزان لها ولا مقياس وأن يذكروا الأسماء مجردة كما هو اصطرح الأمم الراقية كالإنكليز والأميركان والفرنسيس والألمان بل كما كان اصطلاح أجدادنا العرب في صدر الإسلام والجديرون بالوصف تم أوصافهم عنهم من مثل التعليم زمناً وتخريج طلبة راقين أو الإجادة في التأليف وغير ذلك من سمات الفضل والعلم قال المقدسي إن مراتب السادات مثل جليل وفاضل